للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأدلة على المحبة والرضا والفرق بينهما وبين المشيئة]

قال رحمه الله تعالى: [وقد دل على الفرق بين المشيئة والمحبة الكتاب والسنة والفطرة الصحيحة، أما نصوص المشيئة والإرادة من الكتاب فقد تقدم ذكر بعضها.

وأما نصوص المحبة والرضا فقال تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥]، {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧]، وقال تعالى عقيب ما نهى عنه من الشرك والظلم والفواحش والكبر: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء:٣٨].

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال).

وفي المسند: (إن الله يحب أن يؤخذ برخصه كما يكره أن تؤتى معصيته)].

في هذه الآيات والأحاديث تفريق بين المشيئة العامة وبين المحبة والرضا وما يتفرع عنها.

فكون الله عز وجل لا يحب الفساد -كما في الآية الأولى- لا يعني ذلك أن الله لم يقدره ولم يشأه كوناً، فإن الله عز وجل قدر كل شيء كوناً وشاءه كوناً، لكنه لا يحب الفساد شرعاً، فقوله عز وجل: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥] بمعنى: لا يحبه شرعاً، أما كونه قدره فهذا أمر ضروري؛ لأنه لا يحصل شيء في الكون إلا بقدر الله عز وجل وبعلمه.

وكذلك قوله تعالى: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧] بمعنى: لا يرضاه شرعاً ولا يحبه، لكن لا يعني ذلك أنه لم يقدره كوناً ولم يشأه ولم يعلمه، بل علمه وكتبه وقدره وشاءه سبحانه، والابتلاء لا يتحقق إلا بمثل هذه الأمور.

وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إن الله كره لكم ثلاثاً) بمعنى: كره ذلك شرعاً، لكنه علمه وقدره وشاءه، إنما قدره على العباد ابتلاءً، وكذلك محبة الله عز وجل للرخص، وكراهية المعاصي؛ فإن الله عز وجل يحب ذلك شرعاً، وقدره وشاءه، وكذلك يكره المعاصي شرعاً ولا يريدها من العباد، ونهاهم عنها، لكنه علمها وشاءها وقدرها كوناً.

إذاً: الخلاصة أنه لا تلازم بين المشيئة والمحبة، ولا بين المشيئة والرضا، ولا بين المشيئة ومرادف هذه الكلمات من الأمور التي تدل على أن الله عز وجل قد يحب من عباده شيئاً ويرضاه لهم لكن لا يفعلونه، أو لا يفعله فريق منهم، وإن كان قدره وشاءه.

أقول: لا تلازم بين المشيئة والتقدير العام وبين الرضا والمحبة.

قال رحمه الله تعالى: [وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: (اللهم! إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك).

فتأمل ذكر استعاذته بصفة الرضا من صفة السخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، فالأول للصفة والثاني لأثرها المترتب عليها، ثم ربط ذلك كله بذاته سبحانه وأن ذلك كله راجع إليه وحده لا إلى غيره؛ فما أعوذ منه واقع بمشيئتك وإرادتك، وما أعوذ به من رضاك ومعافاتك هو بمشيئتك وإرادتك، إن شئت أن ترضى عن عبدك وتعافيه، وإن شئت أن تغضب عليه وتعاقبه، فإعاذتي مما أكره ومنعه أن يحل بي هي بمشيئتك أيضاً، فالمحبوب والمكروه كله بقضائك ومشيئتك، فعياذي بك منك، فعياذي بحولك وقوتك ورحمتك مما يكون بحولك وقوتك وعدلك وحكمتك، فلا أستعيذ بغيرك من غيرك، ولا أستعيذ بك من شيء صادر عن غير مشيئتك، بل هو منك.

فلا يعلم ما في هذه الكلمات من التوحيد والمعارف والعبودية إلا الراسخون في العلم بالله ومعرفته ومعرفة عبوديته].