للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم الاستشفاع بلفظ (بحق نبيك)]

قال رحمه الله تعالى: [وأما الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره في الدنيا إلى الله تعالى في الدعاء؛ ففيه تفصيل: فإن الداعي تارة يقول: بحق نبيك، أو بحق فلان، يقسم على الله بأحد من مخلوقاته، فهذا محذور من وجهين].

الشارح هنا ذكر صورة من صور الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره، وكأنه أراد أن تكون هذه الصورة وما يشبهها أمثلة على قاعدة، وهي أن الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم أو بغيره قد يقصد به الاستشفاع بذاته، فإذا كان باعتبار ذاته وسيطة عند الله عز وجل؛ فهذا لا شك أنه باطل، وإذا كان المقصود به اعتبار ذاته المباركة، فيكون استشفاعاً من باب التبرك، فهذا جائز في حياته صلى الله عليه وسلم، وإن كان المقصود بالاستشفاع به الاستشفاع بدعائه وهو حي فهذا حق وجائز، وكذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن غير النبي صلى الله عليه وسلم لا يستشفع بذاته تبركاً، فلا يتبرك بذات غير النبي صلى الله عليه وسلم، إنما يتبرك بدعائه بمعنى أن يطلب منه الدعاء فقط.

قال رحمه الله تعالى: [أحدهما: أنه أقسم بغير الله].

هذا إذا كان المقصود القسم، والغالب على أذهان الناس في مثل هذا الإطلاق أن يُقصَد به الإقسام أو الحلف بحق نبيه، لكن قد يراد بكلمة (بحق نبيك) مجرد الاستشفاع بدون إقسام، بحيث لا تكون الباء باء القسم، بل تكون باء السببية، لكن الشارح غلب المدلول اللغوي العام عند الناس لمثل هذه الألفاظ، وهو أنه يقصد به الحلف.

قال رحمه الله تعالى: [والثاني: اعتقاده أن لأحد على الله حقاً، ولا يجوز الحلف بغير الله، وليس لأحد على الله حق، إلا ما أحقه على نفسه، كقوله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:٤٧]، وكذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ رضي الله عنه وهو رديفه: (يا معاذ! أتدري ما حق الله على عباده؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم.

قال: حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حقهم عليه أن لا يعذبهم)، فهذا حق وجب بكلماته التامة ووعده الصادق، لا أن العبد نفسه يستحق على الله شيئاً كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، وحقهم الواجب بوعده هو أن لا يعذبهم، وترك تعذيبهم معنى لا يصلح أن يقسم به ولا أن يسأل بسببه ويتوسل به؛ لأن السبب هو ما نصبه الله سبباً].

وعلى هذا يكون قول القائل: (بحق نبيك) أو (بحق فلان من الصالحين أو غيرهم) فيه نوع من الاعتداء في الدعاء من جانب، كما أنه من التوسل البدعي من جانب آخر.

أما أنه اعتداء في الدعاء فلأنه سأل غير حقه، أما الأمر الثاني فلأن حق الشخص المسئول بحقه كائن له؛ لأن الله عز وجل ضمن حقوق العباد، والله عز وجل ضمن إجابة الدعاء إذا انتفت الموانع؛ ولأن الله سبحانه وتعالى جعل لكل إنسان عمله، فحق الغير له، فلا يجوز لأحد من الناس أن يسأل الله بحق غيره، لا سيما أن الله عز وجل وعده بأن يفي له بحقه، فالمشروع لكل إنسان أن يسأل بحقه هو، بأن الله وعد السائلين، وهذا الذي يدعوه هو من السائلين، ولأن الله عز وجل جعل حقوق العباد لا تتعداهم، فكل إنسان له عمله وعليه وزره.

فالسؤال بحق الآخرين سوء أدب مع الله عز وجل واعتداء في الدعاء وظلم للآخرين؛ لأن الذي يسأل بحق الغير لم يعرف حقيقة ما وعد الله به العباد، ثم إنه لم يقدر الله حق قدره، ثم إنه اعتدى على حقوق غيره الذين جعلت حقوقهم لهم.

إذاً: لا يجوز، بل لا يشرع، بل من البدعة -وربما يصل إلى الشرك- أن يسأل الإنسان حق غيره أو بحق غيره، أو يعلق إيمانه ورجاءه وطمعه بحق غيره.