للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان المراد بالفلاسفة وما يهتمون به من العلوم]

يقصد بذلك الفلاسفة ومن نحا نحوهم، والمقصود بالفلاسفة: طائفة من البشر الذين يحكمون عقولهم في أمور الغيب، ويفترضون أوهاماً، ويبنون على افتراضاتهم أحكاماً.

ولذلك فإن الفلسفة تتعلق بالغيبيات، أما ما يتعلق بعالم الشهادة فليس فلسفة، إنما يدخل في العلوم التطبيقية، أو العلوم الطبيعية، أو عالم الشهادة، فلذلك تميز الفلاسفة كلهم ومن سلك طريقهم بأنهم يميلون إلى الأفكار الخيالية وإلى الأوهام.

وليس عند الفلاسفة إلا أوهام، مع أنه قد يوجد من يتعلق عقدياً بالفلسفة والفلاسفة، ويظن أن عندهم شيئاً من الحق أو الحقيقة، وهذا لا يمكن؛ لأن ما عند الفلاسفة نوعان: نوع يتعلق ببعض الأصول والقواعد المنطقية التي تستقرأ من عالم الشهادة، أو التي تعرف بالبداهة في الفطرة، مثل بعض الأمور الرياضية والحسابية وغيرها، فهذه أمور ليس للفلاسفة فيها ميزة، ولم يسموا من أجلها فلاسفة، وإن تعلقت بفلستهم واهتماماتهم.

والأمر الثاني من اهتمامات الفلاسفة هو ما يتعلق بالخوض في الغيبيات، سواء الغيبيات التي جاء ذكر أصنافها في الكتب المنزلة، كاليوم الآخر، والملائكة، والجن، وما يتعلق بالإلهيات، أو غيرها من الغيبيات الأخرى التي افترضها الفلاسفة مجرد افتراض وتوهم، وسموا بعضها بالعقل الفعال، والعلة الأولى، والعلة الثانية، والمدبرات السبعة، وغير ذلك مما يختلفون في الكلام فيه وفي الاصطلاحات.

وقد يعلقون بعض أوهامهم بأمور موجودة، أو بأمور ورد ذكرها في الكتاب والسنة.

فالأمور الموجودة: كالنجوم، فقد يربطون ما يعتقدون من أوهام وفلسفات بالنجوم، أو بنحوها مما في الكون، وقد يربطونها أيضاً بأمور لها وجود في الكتاب والسنة، لكنها غيبية، وقد يتكلم الفلاسفة في الملائكة، لكن على نحو يخالف الإقرار بالملائكة في الكتاب والسنة، وقد يتكلمون أيضاً عن بعض أحوال الروح، أو عن المعاد أحياناً، لكن على خلاف ما ثبت في الكتاب والسنة.

إذاً: فالفلاسفة ليس عندهم علم، ومن ادعى ذلك فعليه البرهان.

وقد يتكلمون عن بعض العلوم الطبيعية، لكن لا علاقة لها بالفلسفة، وربطها بالفلسفة إنما هو من باب التجوز.

كما أن الفلاسفة قد يهتمون ببعض العلوم المتعلقة بالإنسان كالطب، أو علوم النفس أو غيرها، فهذه علوم إنسانية أو طبيعية لا صلة لها بالفلسفة.

وقد سلك سبيل الفلاسفة من يسمون بالعقلانيين، وهم الذين زعموا أن لعقولهم حكماً في الغيبيات، وهذا المنحى ظهر في الإسلام على أيدي فئات، أولها: أهل الكلام، فهم يحكمون عقولهم في أمور الغيب، وتلبيسهم أشد من تلبيس الفلاسفة؛ لأن الفلاسفة الخلص إلحادهم واضح، لكن أهل الكلام -وأعني بهم الجهمية والمعتزلة ومتكلمة الأشاعرة والماتريدية ومن سلك سبيلهم، كالكرامية والسالمية والرافضة ومتأخرة الخوارج- كلهم ينزعون نزعة الكلام، وقد أخذوا كثيراً من أصولهم الكلامية عن الفلاسفة، لكن تلبيسهم أشد من تلبيس الفلاسفة؛ لأنهم صاغوا أوهام الفلاسفة باصطلاحات إسلامية، وأخضعوا أصول العقيدة -خاصة في الأسماء والصفات، وفيما يتعلق باليوم الآخر- لصياغة فلسفية ملبسة، فلذلك دخلوا على المسلمين باستعمالهم المصطلحات الإسلامية، وعرض مذاهب الفلاسفة بقوالب ومصطلحات شرعية.