سادساً: تطلق الجماعة أحياناً على الفريق من الناس، الذي يجتمعون على شيء ما دون الجماعة الكبرى، أحياناً تطلق الجماعة شرعاً على من هم دون الجماعة العظمى، الذين ذكرت صورهم، ويكون هذا الاعتبار مشروطاً بتحقيق نطاق الجماعة، وإن كان لا ينصرف هذا الوصف إلى الجماعة الكبرى، فمثلاً: كثيراً ما يرد في السنة وفي الأثر إطلاق كلمة الجماعة على أي مجموعة من الناس من المسلمين، فإذا اجتمعوا مثلاً على السفر، أو اجتمعوا على تجارة، أو اجتمعوا على الصلاة، فجماعة المسجد جماعة، وجماعة الحي جماعة، وجماعة البلد جماعة، وجماعة طلاب العلم جماعة، لكنهم جماعة دون الجماعة العظمى، ومع ذلك ورد تسميتهم بجماعة بالوصف المقيد في ألفاظ الشرع في الكتاب والسنة، فأي أمر من الأمور التي اجتمع عليها الناس دون مصالحهم الكبرى، من مصالحهم الجزئية في الدين والدنيا قد يسمى جماعة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:(كلوا جميعاً ولا تفرقوا، فإن البركة مع الجماعة) يعني: مع الجماعة الذين يجتمعون على الأكل، وهذا ظاهر.
وفي حديث جندب بن عبد الله قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة) يعني: إذا حزبك أمر تخاف منه فافزع إلى الجماعة من حولك، جيرانك، جماعة المسجد، جماعة الجهاد، جماعة الحسبة، أو من حولك ممن يطلق عليهم السنة والجماعة في النطاق الذي أنت فيه، قال:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا فزعنا بالجماعة، والصبر، والسكينة، إذا قاتلنا).
وكذلك قول البخاري في الصحيح:(باب اثنان فما فوقهما جماعة) قصده في الصلاة، ويقاس عليها غيرها.
إذاً: تطلق الجماعة على مجموع تلك المعاني أو بعضها أو أكثرها بحسب أحوال الأمة، لكن كما قلت: أغلب ما تنصرف ألفاظ الأمر بالجماعة والاعتصام بها إلى الجماعة الكبرى، وأغلب ما تنصرف ألفاظ النهي عن الشذوذ عن الجماعة، وأنها فرقة من الدين إلى الجماعة الكبرى، والجماعة الصغرى لا شك أن مخالفتها أحياناً تكون مكروهة، وأحياناً تكون محرمة ومن كبائر الذنوب، لكن لا تصل إلى حد الفرقة الكبرى، فمثلاً: المسلم إذا ترك جماعة المسجد، وصلى مع جماعة أخرى، يكون قد ارتكب ذنباً، أو ترك جماعة المسجد بالكلية يكون قد ارتكب كبيرة، لكن ما يعد من الفرق الضالة إلا إذا خالف في مفهومات الجماعة الكبرى، فأي مسلم يشذ عن الجماعة في مفهوم الجماعة الكبرى يكون عمله افتراقاً، لكن إذا شذ عن الجماعة في مفهوماتها الصغرى، في المصالح الجزئية، أو افترق عن جماعة المسجد يكون عمله بحسب حاله، قد يكون كبيرة من الكبائر التي يعزر عليها، لكن لا يصل إلى حد يوصف بأنه مفارق للجماعة المفارقة العقدية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.