للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توجيهات للقول بدخول الأعمال في مسمى الإيمان من حيث دلالة لفظ الإيمان]

قال رحمه الله تعالى: [فالتصديق الذي هو الإيمان أدنى أحواله أن يكون نوعاً من التصديق العام، فلا يكون مطابقا له في العموم والخصوص من غير تغيير للبيان ولا قلبه، بل يكون الإيمان في كلام الشارع مؤلفاً من العام والخاص، كالإنسان الموصوف بأنه حيوان ناطق، أو لأن التصديق التام القائم بالقلب مستلزم لما وجب من أعمال القلب والجوارح، فإن هذه لوازم الإيمان التام، وانتفاء اللازم دليل على انتفاء الملزوم، ونقول: إن هذه لوازم تدخل في مسمى اللفظ تارة وتخرج عنه أخرى، أو: إن اللفظ باق على معناه في اللغة].

قوله: (ونقول) يعني أهل السنة والجماعة، ففي الكلام خلط؛ لأنه أحياناً ينقل كلام شيخ الإسلام وكلام ابن القيم بحذافيره، فيقول: نقول وقالوا، وكأنه فريق يرد على فريق، في حين أن الكلام لأهل السنة والجماعة.

قال رحمه الله تعالى: [ونقول: إن هذه لوازم تدخل في مسمى اللفظ تارة وتخرج عنه أخرى].

أي: تدخل في المسمى اللفظي بالمدلول الشرعي، وتخرج عنه بالمدلول اللغوي أحياناً، فلوازم الإيمان -وهي الأعمال- تدخل في مسمى الإيمان اللفظي بالمدلول الشرعي، وتخرج عنه أيضاً بالمدلول اللغوي أحياناً.

قال رحمه الله تعالى: [أو أن اللفظ باقٍ على معناه في اللغة، ولكن الشارع زاد فيه أحكاماً].

يقصد أن لغة العرب ليس فيها ما يمنع من أن تدخل الأعمال في مسمى الإيمان، وهذا صحيح، فالسلف استقرءوا لغة العرب ووجدوا أن العرب ليس عندهم قصر الإيمان على التصديق فقط، بل يدخلون بعض الأعمال القلبية وغيرها في مسمى الإيمان، حتى قبل ورود المصطلح الشرعي، فهذا وجه من وجوه التسوية.

والثاني هو الوجه الذي قال به طائفة من السلف.

قال رحمه الله تعالى: [ولكن الشارع زاد فيه أحكاماً].

أي: يجوز أن نقول: إن اللفظ وقع على معناه اللغوي فقط، وهو التصديق، لكن الشارع زاد فيه أحكاماً، وهي الأعمال والأمور الأخرى.

قال رحمه الله تعالى: [أو أن يكون الشارع استعمله في معناه المجازي].

هذا بعيد وإن كان له وجه من الاستدلال؛ لأنه يجوز أن تكون الأعمال من الإيمان مجازاً، وهذا بعيد، واللغة تتسع لإدخال الأعمال في مسمى الإيمان ما دامت الأعمال التي يدين بها الإنسان لله عز وجل مرتبطة بالعمل القلبي.

قال رحمه الله تعالى: [أو أن يكون قد نقله الشارع، وهذه أقوال لمن سلك هذه الطريق].

يعني: نقله الشارع من الخصوص إلى العموم، من الخصوص وهو قصر الإيمان على التصديق إلى العموم وهو إدخال الأعمال في مسمى الإيمان، كل هذه مسالك مفترضة في الرد على المرجئة في تعميم مسمى الإيمان، وأنه يدخل فيه الأعمال، وأقواها أن لغة العرب لا تمنع من دخول الأعمال في مسمى الإيمان ما دامت الأعمال مأموراً بها شرعاً، ويدين بها الإنسان لله عز وجل؛ لأن الأعمال الشرعية ليست مجرد حركات، الأعمال الشرعية تنبثق من خضوع القلب لله عز وجل، تنبثق من جانب التصديق والتسليم والإذعان واليقين، والتقوى، والحب، والخوف، والرجاء، وغير ذلك من الأمور القلبية، فإذا كانت الأعمال تنبثق عن هذه الأمور القلبية فهي مرتبطة بمسمى الإيمان.