[حكم التقريب بين أهل السنة وبين الرافضة وحكم من يدعو إلى ذلك]
السؤال
ظهر في الآونة الأخيرة في بعض الأشرطة لبعض المنتسبين للعلم أنه لا فرق بين أهل السنة والرافضة، ويسعى للتقريب بينهم، كما ذكر روايات وقصصاً فيما وقع بين الصحابة من خلاف وفتنة؟
الجواب
ما يتعلق بالكلام في الصحابة الذي أعرفه أن المشايخ والعلماء الكبار الآن يرون أنه لا يجوز الحديث عما شجر بين الصحابة، حتى وإن كان من باب إعطاء الحقيقة أو الإنصاف للصحابة؛ لأن هذا يثير في الناس إشكالات، ويشككهم فيما كان عليه الصحابة، وأكثر الناس لا يتخلص من الشبهات التي تقع في ذهنه، فاعتبر من الأحداث التي لا يجوز إثارتها بين المسلمين مرة أخرى، ولا يترتب على إثارتها أي مصالح، فالأصل في المسلمين أن يعرفوا حقوق الصحابة، وأن يتعلموا ذلك، أما ما حدث من فتن وأحداث فلا يجوز إثارته ولو من باب تقرير الإنصاف أو العدل أو تقرير الدفاع عن الصحابة؛ لأن الأصل عند السلف عدم جواز الحديث فيما شجر بين الصحابة.
أما الكلام عن الرافضة وتزكية الرافضة أحياناً، أو اعتبار الفرق بينهم وبين أهل السنة فرقاً غير عقدي أو التقريب بينهم، فهذه كارثة في صفوف الدعاة إن صح التعبير، منذ أن صار الدعاة غير علماء والكوارث تتوالى على المسلمين من هذا النوع، وسبق التنبيه إلى مثل هذا من قبل مشايخنا وطلاب العلم، منذ بدأت بعض الأحداث من بعض الدعاة أو بعض الحركات الإسلامية، وهذا مصداق ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من أنهم اتخذوا رءوساً جهالاً، فضلوا وأضلوا، والسبب في ذلك أن الموازين الآن عند كثير من الدعوات المعاصرة اختلت، فصار من يتولى القيادة يتولاها بشروط غير شرعية، مجرد ما يكون عنده عاطفة إسلامية وفكر وثقافة ويكون لسناً، وقد يكون صاحب مؤهل أو تخصص نادر، يرفع الراية وتنساق معه جموع الشباب وجموع المجتمعات، وهذه من سمات أهل الأهواء، وهي خطر عظيم، ولذلك لما تمكن هؤلاء من الدعوة، وصار لهم أتباع، تجرءوا على أن يقولوا ما في أنفسهم، وأن يبينوا عن جهلهم.
فهذا جهل مطبق ودليل على عدم الرسوخ في العقيدة، وعدم الفقه في الدين، ودليل على تمكن الحزبية من الجماعات، فأنا أشعر من السؤال أن فيه إشارة إلى بعض الدعاة المشاهير في بعض البلاد العربية القريبة، الذين حاولوا أن يلطفوا الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين الشيعة، وأن يعتبروا الخلاف مع الشيعة اختلافاً يسيراً يمكن تجاوزه، وأن أهل السنة بالغوا في قولهم في الشيعة إلى آخره.
أقول: هذا من الخلط، وسببه تصدر هؤلاء الذين لا يفقهون في دين الله عز وجل، إلا مجرد الثقافة العامة من غير أصول ولا ضوابط، فصاروا يفتون بغير علم، ويتبعهم على ذلك فئام من شباب الأمة.
إذاً: المسألة ليست مسألة شخص، بل مسألة مناهج، وإذا استمرت المناهج بهذا الشكل في تصدر هؤلاء الذين ليسوا من الراسخين في العلم، فسترى كوارث كثيرة، نسأل الله العافية والسلامة، ورأينا وسمعنا في السابق ولا نزال نسمع من مثل هذه الأمور العظام الكبار.
ومعلوم أنه إذا تصدر للدعوة ناس ليس لهم رصيد إلا العاطفة، فمن الطبيعي أن يحدث مثل هذا، ما لم يتعلموا على أهل العلم، والمشكلة أن أكثر الذين يتدينون ممن لهم أثر يعتبرون مفكرين أو دعاة، خاصة الذين يتدينون في الغرب، ثم يأتي إلى بلاد المسلمين هنا ويتصدر، هؤلاء مشكلتهم أنهم جهلة ولا يعلمون أنهم جهلة، وهذا يسمى جهلاً مركباً، فلا يدرسون على العلماء، وأنا أشير على كثير منهم بأنه يجب أن يجلسوا على الركب بين يدي العلماء، لكنهم والله أعلم رأوا أن في ذلك غضاضة عليهم، وإلا فعلى هؤلاء أن يتعلموا ما يتعلمه الأطفال عندنا، ثم ما يتعلمه الشباب، ثم ما يتعلمه طلاب العلم، حتى يرسخوا في العلم؛ لأن تدينهم قائم على عواطف، والعواطف لا تصنع شيئاً، أو يتدين على أيدي دعاة أكثرهم من أهل الأهواء، فتنغرس في قلبه الأهواء وهو لا يدري، أو يتدين في الغالب على أصحاب شعارات وحزبيات وجماعات ترفع لواءات الحزبية، فيتصدر بهذا الاتجاه، ولو لم ينتم إليها، فمن هنا جاءت مثل هذه الدواهي والمصائب من أمثال هؤلاء، مما يزعمون أنه جمع أو تقريب بين السنة والرافضة.
أقول: أهل السنة والرافضة ليس بينهم تقارب، إلا أن تستجيب الرافضة للحق، فهذا ما نرجوه ونأمله، ويجب أن نسعى إليه، ويسعدنا ذلك، أما أن نقرب السنة للرافضة أو نتهم السنة بالتحيز، أو أنهم قالوا في الرافضة ما لم يكن، فهذا من الباطل، فلا شك أن عند الرافضة من الباطل والضلالات والانحراف في المناهج والأعمال، وعندهم من الشركيات ما يجهلها أكثر أهل السنة؛ لأن أكثر مخازي الرافضة لا يعلمها إلا بعض المتخصصين، حتى إن بعضهم قد لا يجرؤ على ذكرها علناً؛ لأن أكثر الناس لا يصدقون، ويحتاجون إلى براهين قد لا يملك إفهام الناس لها، عند الرافضة من الباطل والكفر والشرك والبعد عن الحق ما لا يكاد يتصور.