للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر عمر في خروج أهل النار منها]

قال رحمه الله تعالى: [وقد روى عبد بن حميد -وهو من أجل علماء الحديث- في تفسيره المشهور، قال: حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن الحسن البصري قال: قال عمر رضي الله عنه: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه.

وقال: أنبأنا حجاج بن منهال عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج، لكان لهم يوم يخرجون فيه.

ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣].

وهذا يبين أن مثل الشيخ الكبير من علماء الحديث والسنة يروي عن مثل هؤلاء الأئمة في الحديث والسنة، مثل: سليمان بن حرب، الذي هو من أجل علماء السنة والحديث، ومثل: حجاج بن منهال في كلامهما، عن حماد بن سلمة مع جلالته في العلم والسنة، والذي يروى من وجهين: من طريق ثابت، ومن طريق حميد، هذا عن الحسن البصري الذي يقال: إنه أعلم من بقي من التابعين في زمانه، يرويه عن عمر بن الخطاب، وإنما سمعه الحسن من بعض التابعين، فسواء كان قد حفظ هذا عن عمر أو لم يحفظ، كان مثل هذا الحديث متداولاً بين هؤلاء العلماء الأئمة لا ينكرونه، وهؤلاء كانوا ينكرون على من خرج عن السنة من الخوارج، والمعتزلة، والمرجئة، والجهمية.

وكان أحمد بن حنبل يقول: أحاديث حماد بن سلمة هي الشجا في حلوق المبتدعة.

فهؤلاء من أعظم أعلام أهل السنة الذين ينكرون من البدع ما هو دون هذا، لو كان هذا القول عندهم من البدع المخالفة للكتاب والسنة والإجماع، كما يظنه طائفة من الناس].

قصد الشيخ هنا: أن الإرسال بين الحسن وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يضر في ثبوت أصل القضية بين السلف، وأنها مسألة يتكلم فيها؛ لأن هذا السند رجاله ثقات إلى الحسن، والحسن رحمه الله نسبه إلى عمر، وسواء صحت النسبة أو لم تصح فهذا لا يضر بأصل القضية؛ لأن الحسن تكلم بها وأسندها إلى عمر، ثم كلامه بها اشتهر، ورواه عنه هؤلاء الثقات الذين يميزون، وهم صيارفة الأسانيد والحديث، ومع ذلك ما أنكروا أصل القضية حينما رووها، فلو كان هذا الكلام عندهم بدعة لبدعوه وردوه.

قال رحمه الله تعالى: [وعبد بن حميد ذكر هذا في تفسير قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا} [النبأ:٢٣]؛ ليبين قول من قال: الأحقاب لها أمد ينفد، ليست كالرزق الذي ما له من نفاد، ولا ريب أنه من قال هذا القول، قول عمر ومن نقله عنه، إنما أرادوا بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها.

فأما قوم أصيبوا بذنوب، فأولئك قد علم هؤلاء وغيرهم بخروجهم منه، وأنهم لا يلبثون فيها قدر رمل عالج، ولا قريباً من ذلك.

والحسن كان يروي حديث الشفاعة في أهل التوحيد، وقد ذكره البخاري ومسلم عنه، وكذلك حماد بن سلمة كان يجمعها ويحدث بها، وكذلك سليمان بن حرب وأمثاله، فهذا عندهم لا يقال فيه مثل هذا، ولفظ أهل النار لا يختص بالموحدين، بل يختص بمن عداهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون).

وقوله: (يخرجون منها) أي: يخرجون من جهنم بعد أن يفنى عذابها وينفد وينقطع.

فهم لا يخرجون منها -يعني: جهنم- بل هم خالدون في جهنم، كما أخبر الله سبحانه وتعالى، لكن إذا انقضى أجلها، وفنيت كما تفنى الدنيا، لم يبق فيها عذاب، وذلك أن العالم لا يعدم، وجهنم في الأرض، والأرض لا تعدم بالكلية، ولكن فناؤها بتغير حالها، واستحالتها من حال إلى حال.

كما قال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن:٢٦]، وهم لا يعدمون، بل يموتون ويهلكون، وكما قال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:٩٦]، فإذا أنفده الرجل فقد نفد ما عنده، إن كان لم يعدم، بل انتقل من حال إلى حال.