للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تنبيهات في مسألة فناء النار]

لعل مسألة القول بفناء النار من المسائل التي لا تزال تستحوذ على أذهان الكثيرين، والقضية كما تعرفون ليست جديدة على أهل العلم المتخصصين، والذي وردني بشأنها بعض الأمور من الإخوة أحب أن أنبه إليها بإيجاز.

الأمر الأول: أنني أحب أن أؤكد على ما سبق أن ذكرته أكثر من مرة، وهو أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقرر في كثير من كتبه رأي جمهور السلف وينتصر له، من أنه لا يجوز القول بفناء النار، وأن هذا من أقوال الجهمية، وهذا تكرر كثيراً في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكثيراً ما كان يرد على الجهمية وعلى أصحاب هذا القول، وكلامه واضح، ومع ذلك ما نسب عنه من سرده لأقوال الناس في الرسالة السابقة الغالب أنه صحيح، لكنه حسب ما قرأنا وسمعتم أنتم وعند التمعن والتبين للحال نجد أن شيخ الإسلام لم يذكر بصراحة أنه يتبنى هذا الرأي أو يؤيده، وإنما ذكر أقوال هؤلاء وذكر أقوال هؤلاء، وتوسع في أقوال المخالفين؛ لأن المقام يقتضي حشد كل ما عندهم من الأقوال والأصول والقواعد، فينبغي أن يفهم هذا، حتى لا يدعي أحد ويجزم أن شيخ الإسلام قال بفناء النار؛ لأن أقواله في إنكار هذا القول كثيرة جداً في مواضع كثيرة، فيحمل الصريح على غير الصريح كما هي القاعدة، والمجمل يحمل على المبين، ويحمل على المفسر، هذه قاعدة شرعية، إذا وجد من أي إنسان فضلاً عن الأئمة قول مجمل وقول مفصل ومفسر ومبين، فينبغي أن يحمل المجمل على المبين، وهذا ما أراه في موقف شيخ الإسلام ابن تيمية وهو إنكاره على من يقول بفناء النار، وهذا بين في مواضع كثيرة، أما سرده لرأي من يرى فناء النار وحشده للأدلة فإنما هو سياق مجرد عن الرأي، ما ظهر أنه انتصر لهذا القول، أو قال: هذا رأيي، أو هذا ما أرجحه، وليس هناك ما يدل على ذلك، ولا حتى بالإشارة، وإنما غاية ما يمكن أن يقوله بعض المتكلفين أن سكوته إقرار، وهذا لا يصح دائماً، ليس كل سكوت إقرار في معرض بيان أقوال أهل العلم وتفصيله.

الأمر الثاني فيما يتعلق بهذه القضية أيضاً: أن بعض الإخوة أنكر إثارة مثل هذا الموضوع، وقال: هل من المصلحة أن تثار مثل هذه المسألة؟ أقول: مثل هذه المسائل الغامضة والمشكلة ينبغي ألا تثار عند عموم الناس، ولا في المحاضرات العامة، ولا في دروس المبتدئين، لكن في درس متخصص يحضره مثل هؤلاء النخبة، الذين هم طلبة علم إن شاء الله ينبغي أن يثار الموضوع؛ لأنه من الأمور التي كتب فيها الناس الآن، والقول فيها سجال بين فريق وآخر، وهناك راد ومردود عليه، وهناك كتب طبعت وموجودة في الساحة، ووصل الحد بإناس إلى طلب المباهلة في مثل هذا الموضوع.

إذاً: فلا بد من إثارتها عند أمثالكم، ولا تستغربوا هذا، ولستم في عافية من إثارة القضايا العقدية الخطيرة المهمة التي تحدث إثارتها بين طلاب العلم بخاصة، فلا تضيق صدوركم ذرعاً في عرض مثل هذا الموضوع في درس متخصص مثل هذا الدرس.