[إطلاق الجماعة على أهل العلم وأئمة الدين المقتدى بهم وأتباعهم]
المعنى الثاني: تطلق الجماعة على أهل العلم وأئمة الدين المقتدى بهم وعلى أتباعهم، بمعنى أنهم الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، خاصة بعد وجود الافتراق.
نحن قلنا: إن أمثل معنى وأدق إطلاق للجماعة هو عهد الصحابة رضي الله عنهم، لكن هذا إطلاق قد يختلف فيمن بعدهم، حينما ظهرت الفرق، فعلى هذا يأتي تعريف أدق لحال المسلمين بعد الصحابة، يخصص الجماعة بمعنى يصف حال المسلمين بعد الافتراق، وهو أن كون الجماعة هم أهل العلم أئمة الدين والهدى المقتدى بهم، وأتباعهم الذين هم الفرقة الناجية، والطائفة المنصورة، أهل السنة والجماعة، الذين يعملون بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويدعون إليها، ومن سلك نهجهم، واتبع سبيلهم، وهؤلاء هم المقتدون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبأصحابه الذين هم جماعة المسلمين الأولى، فمن كان على نهج جماعة المسلمين الأولى فهم الجماعة، وهم أهل السنة والجماعة، وكل جماعة هي امتداد لجماعة السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، فهي أهل السنة والجماعة، وهي الفرقة الناجية التي نوه عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، في الحديث الذي رواه عوف بن مالك ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهما رضي الله عنهما قالا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتين وسبعين في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة).
وهذه هي الجماعة وإن قلَّت؛ لأنه لا اعتبار للكثرة بعد وجود الافتراق؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: إنما الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل وإن كنت وحدك.
وعلى هذا فإن الذي لم يكن على السنة لا يدخل في تعريف الجماعة مهما كثر عددهم.
وفي هذا المعنى أيضاً يقول عبد الله بن المبارك رحمه الله لما سئل عن الجماعة، قال: أبو بكر وعمر، فقيل: قد مات أبو بكر وعمر، قال: ففلان وفلان، قيل: قد مات فلان وفلان، قال ابن المبارك: أبو حمزة السكري جماعة، وهو يشير بذلك إلى هذا الرجل الذي عرف بالفضل والاستقامة، وأبو حمزة السكري هو محمد بن ميمون المروزي المتوفى سنة (١٦٢هـ) فقال عنه ابن المبارك: بأنه جماعة أي: أنه رجل مستقيم على السنة، وكان على منهج السلف الصالح، من المشهورين بتتبع سبيل السنة والجماعة أهل الحق.
إذاً: فالعبرة ليست بكثرة العدد بعد الصحابة، إنما باتباع السنة، وترك الابتداع.