للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال الأمم في نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم]

الأمر الآخر: أن الناس كثر كلامهم قديماً وحديثاً في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهر الأقوال التي قالت بها الأمم ولا يزال يقول بها طوائف من الكفار يمكن أن نلخصها في أربعة: القول الأول: الذي عليه أكثر الأمم المشركة والكافرة، وهم الذين يقولون بإنكار نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إطلاقاً، ولا يلتفتون إلى هذا الأمر، مع أنه يأتيهم من البينات والدلائل ما تقوم به الحجة عليهم، كوجود الإسلام والمسلمين والقرآن، ولكن مع ذلك لا تزال أمم كثيرة من هذه الأمم في الدنيا تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وإن سمعت به.

القول الثاني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلح من المصلحين، وبه قالت طائفة في الآونة الأخيرة من المستشرقين ومن نحا نحوهم، يقولون بأن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما هو رجل مصلح من المصلحين.

وهذا يكثر في المستشرقين الذين درسوا تاريخ الإسلام ودرسوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم وجدوا في شخصه ما بهرهم، فلذلك عزوا هذا الدين إلى عبقرية النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: هذا رجل عبقري مصلح داهية توصل بعبقريته ودهائه وذكائه وحسن خلقه ونهجه في الإصلاح إلى هذا الدين الذي زعموا أنه وضعه، وهذا عليه كثير من الغربيين الذين يطلعون على الإسلام اطلاعاً مجرداً من الحقد والعصبية.

وهذا ما تأثر به كثير من الكتاب المحدثين مع الأسف، فأبرزوا جانب العبقرية في النبي صلى الله عليه وسلم زعماً منهم أن هذا انتصار للإسلام، وأنه -أيضاً- تعظيم للرسول عليه الصلاة والسلام، وأغفلوا جانب النبوة، كما فعل العقاد في (عبقرية محمد)، وكما فعل أمثال أحمد أمين وغيره في كتبهم، فإنهم ينزعون إلى هذه النزعة، ويزعمون أنهم بذلك يعظمون النبي صلى الله عليه وسلم حينما يعزون هذا الدين إلى عبقريته وإلى خلقه القوي.

والقول الثالث: قول الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو وصحابته ما هم إلا مجموعة من هواة التسلط والملوك الظالمين الذين تسلطوا على رقاب الأمة، وهذا يوجد في طوائف من اليهود وبعض متعصبة النصارى وبعض المشركين في الأمم الأخرى الذين يحقدون على الإسلام، فلا يعترفون بأنه دين، ويزعمون بأنه ما هو إلا وثبة عربية تزعمها هذا الرجل، فهو عندهم ظالم تسلط على البشر وهيمن دينه على البشرية بهذا الأسلوب.

وهناك قول رابع يقول به طوائف من النصارى، خاصة نصارى العرب، ولا يزالون يقولون به، وهم الذين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكنه للعرب خاصة، ولا يزال هناك من الغربيين طوائف كثيرة من النصارى وبعض اليهود يقولون بهذا القول، خاصة دعاة تقريب الأديان ينزعون إلى هذا القول ويدعون إليه، ويزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي لكنه للعرب خاصة.

والعجيب أن هذه النظرة يقول بها بعض نصارى العرب من نصارى لبنان ونصارى مصر، يقولون بهذا القول، وهو حجة قاصمة ترتد عليهم؛ لأنه إذا كان النبي أرسل إلى العرب وهم عرب فلم لا يؤمنون؟! وهذه مقولة يلغيها العقل ولا تعتبر من الناحية الموضوعية.

وهذه المقولات كلها يناقشها الشارح ضمناً، لكن سيناقش قضيتين على التفصيل، سيناقش النصارى، وسيناقش الذين قالوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم ليس برسول، بل هو ملك ظالم غشوم، سيناقشهم ويقف عندهم طويلاً فيما بعد.

قال رحمه الله تعالى: [وأما قول بعض النصارى: إنه رسول إلى العرب خاصة فظاهر البطلان، فإنهم لما صدقوا بالرسالة لزمهم تصديقه في كل ما يخبر به، وقد قال: إنه رسول الله إلى الناس عامة، والرسول لا يكذب، فلزم تصديقه حتماً، فقد أرسل رسله وبعث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى وقيصر والنجاشي والمقوقس وسائر ملوك الأطراف يدعو إلى الإسلام].