للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة عقلية على بطلان القول بأن كلام الله معنى قائم بنفسه تعالى]

هذا معلوم حتى في بديهات العوام، أعني مسألة التفريق بين الكلام والمعنى القائم بالنفس، فلو كان القرآن مجرد معنى لكلام الله تعالى وليس هو كلامه لما صح عند الناس وفي عرفهم أن يقال مثلاً: تعال -يا فلان- أقرأ عليك كلام الله، أو: اقرأ كلام الله؛ لأنه لو كان معنى لقيل: تعال لأقرأ عليك معنى كلام الله، هذه ناحية.

الناحية الأخرى فيما يتعلق بترجمات معاني كتاب الله، فلو كان القرآن ليس بحرف وصوت من كلام الله عز وجل لصح أن نترجم القرآن، لكن عند أهل العلم لا يصح إطلاقاً أن نترجم القرآن بذاته، إنما تترجم معاني القرآن؛ لأن القرآن بذاته هو هذا الذي بين أيدينا بحروفه وأصواته، فلو كان كلاماً مخلوقاً ككلام المخلوقين لصح أن نترجم القرآن، فيجوز لأي إنسان من الناس أن يتكلم بالقرآن بأي لغة، ويقال: هذا هو القرآن، فيقرأ بالانجليزية ويقال: هذا هو القرآن، ويقرأ بالأردية ويقال: هذا هو القرآن، لكن عند جميع أهل العلم لا يصح أن يتلو أحد معنى آية بالأردية ثم يقول: هذه آية من كتاب الله، بل العجم كلهم المسلمون اليوم يقرءون كتاب الله بلفظه العربي، وإذا عبروا عن معانيه بغير العربية قالوا: معاني القرآن، ولا يقولون: هذا القرآن، حتى هؤلاء المبتدعة الذين يقولون هذا القول لا يجرؤ أحد منهم على أن يقول إذا عبر عن معنى بغير العربية من معاني آيات الله: هذا هو القرآن، أو: هذا كلام الله، أو: هذه آية، إنما يقول: هذا معنى آية، أو ترجمة معنى آية، أو ترجمة معنى القرآن ونحو ذلك.

إذاً: هذا أمر معلوم بالضرورة، لكن الأمور قد تشتبه على مثل هؤلاء لتعلقهم بشبهات المتكلمين والفلاسفة.