للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفكر والتصور الإسلامي في العقيدة والموقف منهما]

أما تسمية العقيدة فكراً وتصوراً فلا ينبغي، بل هما أيضاً من الأسماء المحدثة، فلا يجوز تسمية العقيدة فكراً إسلامياً، ولا تصوراً إسلامياً، إنما الفكر هو ما يفهمه المفكرون من مستلزمات العقيدة أو مستلزمات النصوص، بمعنى أنه يجوز أن نسمي ما يفهمه المفكر من العقيدة من مستلزمات جانبية أخرى فكراً، فعلى هذا لا تكون عقيدة، ولا تنسب إلى أئمة الدين، بل تنسب إلى صاحبها، مع أن هذا فيه نوع من الخطورة، فانتزاع مستلزمات معينة من قبل بعض المفكرين مما يفهمونه من أصول الدين، أو مما يفهمونه من نصوص، وتسميتها بفكر إسلامي -بمعنى أنها تكون مرجعاً ويبنى عليها فهم وتصور، أو يبنى عليها مناهج تربوية للشباب- أظنه مسلكاً خطيراً، وهو نزعة تشبه نزعة علم الكلام في بداية أمرها في القرن الأول، فقد كانت بهذا الشكل، عبارة عن استنتاجات المفكرين فيما يتعلق بالعقيدة، ثم اختلطت بأقوال أهل البدع، واجتمعت هذه الأمور كلها وتواصلت حتى أوجدت علماً يسمى بعلم الكلام يضاهي علم العقيدة، بل طغى عليه عند المبتدعة وأهل الفرق حتى نسوا العقيدة وتعلقوا بعلم الكلام على أنه هو مراد الله وهو ما يعتقد؛ فلذلك نجد في كتب علم الكلام التي يعتقدها المتكلمون كل شيء إلا العقيدة التي رسمها السلف بألفاظ الشرع، وإذا تكلموا عن شيء من أمور العقيدة تكلموا عليه بأسلوب ملفق، ويسمون هذا: التوفيق بين الشريعة ومناهج الكلام، أو بين الشرعيات والعقليات، وهذا المسلك الجديد هو تعلق بالفكر الإسلامي يشبه تعلق بعض الأولين من أتباع الفرق بالفكر الإسلامي القديم.

ولذلك ينبغي أن تحرر هذه المسألة، وتبين بشكل جيد لطلاب العلم، حتى يعلم ما الذي يؤخذ من الفكر الإسلامي الحديث وما الذي يستغنى عنه؟ فلا بد من وضع ضوابط، أما أن نأخذ كل ما كتب وكل ما قيل فهذا خطأ، فأكثر ما قيل من الفكر الإسلامي يشتمل على حق، ويشتمل على فوائد تفيد هذا الجيل، لكن نخشى أن يكون بديلاً عن العقيدة، بل إني أرى أجيالاً نشأت في بعض البلاد الإسلامية على بعض الكتب الفكرية على أنها هي منبع التصور والاعتقاد، ونشأت على هذا دعوات كبرى تعلقت بمثل فكر سيد قطب رحمه الله وفكر محمد قطب وأفكار آخرين على أنها هي التي يعتمد عليها في التصور الإسلامي، واستغنوا بها عن كتب العقيدة، وهذه الكتب جيدة ومفيدة جداً، لكن بشرط أن نستقي العقائد أولاً من كتب العقيدة، ثم نستفيد من هذه المستلزمات الفكرية الجيدة المفيدة التي قال بها أمثال سيد قطب وغيره رحمهم الله، ووفق الأحياء منهم.

أقول هذه المسألة ولا أعطي فيها رأياً، لكن أثير هذا الإشكال لضرورة الإجابة عليه، فمسألة الفكر الإسلامي والتعلق به تحتاج إلى نظر، والاستغناء بالفكر الإسلامي عن العقيدة، أو تربية الأجيال عليه في التصور والأحكام مسألة خطيرة، وأنا أكاد أجزم بأن بعض الحركات التي مالت إلى التنطع في الدين -كالتكفير والهجرة- كان منشأ ميلها هو تعلقها بفكر بعض المفكرين، ففهمته خطأ بمعزل عن أصول السلف وعقيدة السلف، فلما قرءوا عقائد السلف جعلوا الفكر الإسلامي الحديث هو الميزان، فبذلك انحرفوا، نسأل الله العافية.

إذاً: المسألة تحتاج إلى شيء من التحقيق، وتحتاج إلى شيء من الدراسة.

فالفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية إذا كان يقصد بهما أنهما بديلان عن العقيدة، أو يقصد الاعتماد عليهما في إعطاء التصور الإسلامي الأصيل فهذا خطأ ينبغي تصحيحه، وإذا كانا رافدين للعقيدة فلا مانع بشرط سلامتهما، بمعنى أن تكون هناك مادة عقيدة يدرسها الطالب، ويفهم أن هذا الفكر وهذا الاتجاه أو هذه الثقافة إنما هي رافدة وتعطي التصور الصحيح لما يتعلق بواقع المسلمين المعاصر أو الرد على الشبهات والتحديات المعاصرة، فهذا الجانب جيد ومفيد، لكن بشرط ألا يستغنى به عن العقيدة، وأن لا يكون هو منهج التربية الذي تبنى عليه تصورات الأجيال، وأنا أخشى من هذا الخلل، أي: أن يظهر جيل لا يعرف من العقيدة إلا كتب الفكر الإسلامي، أو لا يفهم من أصول الدين والأمور التي تنبثق منها تصوراته إلا هذا الجانب، أقول: هذا أمر يحتاج إلى تحرير، وفيه نوع من الخطورة جدير بالاهتمام.