[وجه اللبس في اعتبار الطحاوي استواء أهل الإيمان في أصله]
الأمر الآخر: أن الكلام السابق كله في شرح قول الطحاوي: (وأهله في أصله سواء) فيه نوع التباس؛ لأن الشيخ ابن أبي العز هنا إن قصد بهذا الكلام أن الإيمان يتفاوت في أحواله ومعانيه القلبية فقط دون الأعمال؛ فهذا لا يكفي في شرح الكلمة، وإن أراد أن الإيمان يتفاوت في الأحوال القلبية وفي أحوال الأعمال فهذا صحيح، لكنه ما استكمل الموضوع، غير أنه هنا يوهم بأنه أيد الأحناف في أن المقصود بالزيادة والنقص الزيادة في جانب التصديق، والزيادة في الأحوال القلبية، لا سيما أنه قبل ذلك قال ما يدل على أنه هنا يخدم المرجئة أكثر مما يخدم أهل السنة والجماعة.
حيث شرح قول الطحاوي:(والتفاضل بينهم بالخشية والتقى ومخالفة الهوى وملازمة الأولى)، فهذه كلها معان قلبية فيها إشارة إلى أن الأعمال لا علاقة لها بالزيادة والنقصان، أو لا علاقة لها بالإيمان.
وكذلك قول ابن أبي العز هنا وشرحه للكلمة، كأنه يشير إلى أن الزيادة والنقصان وعدم التساوي بين العباد في الإيمان إنما هو في الجوانب التصديقية وأحوال القلوب، إلا أنه بعد ذلك فصل بين الأمرين ورجع رجعة أخرى إلى تقرير زيادة الإيمان بالأعمال، وهذا المسلك قد يستغله المرجئة في تفسير كلام الشيخ، لأنه في صالح المرجئة، لكن إذا أخذنا الكلام بمجمله، فأخذنا هذا المقطع مع ما سيأتي من تقرير أن الأعمال يزيد بها الإيمان وينقص؛ فإنا نعتبر ابن أبي العز قد عدل عن هذا المسلك ورجع إلى مذهب أهل السنة والجماعة، لكنه بأسلوب مضطرب، كأنه أراد أن يجر المرجئة والأحناف إلى مذهب أهل السنة والجماعة بأسلوب يصلح لهم.