للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما أنكره الجهمية من جانبي المحبة وما أنكروه من التكليم]

وأما قوله: [وأنكرت الجهمية حقيقة المحبة من الجانبين]؛ فإن الجهمية الغلاة منهم أنكروا المحبة من الله عز وجل لعباده الصالحين، وأنكروا محبة العباد لله عز وجل، هذا معنى قوله: (من الجانبين)، أي: أنكروا أن تتوجه المحبة من العباد لله عز وجل على وجه الحقيقة، وأنكروا أن تكون المحبة من الله عز وجل لعباده.

ثم قال: [وكذلك أنكروا حقيقة التكليم]، أي: أنكروا أن الله عز وجل يكلم عباده أو أنه يتكلم على الحقيقة، وزعموا أن الكلام عبارة عما يخلقه الله عز وجل أو يوجده مما يسمعه العباد أو مما يكتب، أو مما يلقى في أذهان البشر أو في عقولهم.

ويزعمون أنه حروف وأصوات خلقها الله عز وجل فسميت كلاماً، ومن هنا زعموا أن القرآن مخلوق.

وأحياناً يعبرون عن القرآن والتوراة والإنجيل وغيرها بأنها مما يفيض على العباد، أو أنها معانٍ نفسية ثم يترجمها إما الملك وهو جبريل، وإما الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الرسل، فإذا ترجمت سميت بحسبها، فإذا كانت هذه المعاني باللغة العبرية سميت توراة، وإذا كانت هذه المعاني باللغة العربية سميت قرآناً، وهكذا، فزعموا أن الله عز وجل لا يتكلم على الحقيقة.

والمقصود بالحقيقة هنا: أنهم أنكروا الكلام لله عز وجل بما يليق بجلاله، والسلف يقولون: إن الله متكلم حقيقة؛ لأن الله لا يتكلم إلا بحق، فالله عز وجل حينما قال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء:١٦٤] فلابد أن يكون هذا حقيقة، والحقيقة على ما يليق بجلال الله، ومن توهم المعنى الذي يتوهمه الناس في أذهانهم من كلام البشر أو كلام المخلوقات؛ فذلك لا يمكن في حق الله عز وجل؛ لأن الله ليس كمثله شيء.

فمعنى أنهم أنكروا حقيقة الكلام أنهم أنكروا أن الله يتكلم على الحقيقة، وفسروا كلام الله عز وجل بتفسير يؤدي إلى القول بأنه مخلوق.