[أثر ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله)]
وفي تفسير علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما -وهو معروف مشهور- ينقل منه عامة المفسرين الذين يسندون التفسير كـ ابن جرير الطبري، وابن أبي حاتم، وعثمان بن سعيد الدارمي، والبيهقي، والذين يذكرون الإسناد مجملاً كـ الثعلبي، والبغوي، والذين لا يسندون كـ الماوردي، وابن الجوزي قال: قوله: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:١٢٨].
قال: وفي هذه الآية أنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا ناراً.
قال الطبري: وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يتأول في هذا الاستثناء: أن الله تعالى جعل أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابه إياهم إلى مشيئته].
إذاً: ينبغي أن نستصحب في أذهاننا أمرين: الأمر الأول: أن شيخ الإسلام هنا لم يؤيد هذا القول ولم يعارضه، بمعنى أنه لم ينتصر له انتصاراً يرى أنه هو الراجح، ولم يظهر منه أنه يرى أن هذا القول باطل، إنما ساقه على أنه قول قيل من أهل العلم، وأنه ثبت أنه قال به من لهم اعتبارهم من أهل العلم.
الأمر الثاني: أن هذا القول بحد ذاته ليس من الأقوال المنكرة، بغض النظر عن كونه راجحاً أو مرجوحاً، وإن كان غير قول الجمهور، لكنه قول له اعتباره؛ لعموم الأدلة، وهذا الاعتبار لا يعني أنه صحيح بالضرورة، قد يكون الصحيح هو رأي الجمهور، لكن يريد رحمه الله أن يقرر أن هذه المسألة مسألة مشهورة، وقال بها من لهم علمهم وفضلهم من السلف، وطائفة أقروها ولم ينكروها وإن لم يقولوا بها، ورووها بأسانيد صحيحة ولم ينكروا أصل القول، إنما سكتوا عنه، فغاية ما يقال: إن هذا القول اجتهادي، وإن من قال به خلاف رأي الجمهور يمكن أن يقال: إنه أخطأ، لكن ليس ببدعة؛ لأن الدلالة على قول هذا الفريق وجيه، ويكون قول الجمهور أوجه منه وأصح.
إذاً: لا بد من أن نضع في أذهاننا أن سياق شيخ الإسلام ابن تيمية لهذه المسألة، وذكر أقوال الذين قالوا بفناء النار وانقطاع عذابها وذكر أدلتهم لا يعني أنه ينتصر لهذا القول، ولا أنه هو القول الراجح، وكثيراً ما يسلك شيخ الإسلام هذا المسلك في المسائل الخلافية، يسردها دون أن ينتصر لها أو يرد عليها، ينبغي أن نفهم هذا؛ لئلا يلتبس الأمر علينا.
قال رحمه الله تعالى: [قال الطبري: وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا} [الأنعام:١٢٨].
قال في هذه الآية: إنه لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه، ولا ينزلهم جنة ولا ناراً.
وهذا الوعيد في هذه الآية ليس مختصاً بأهل القبلة، فإنه قال: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:١٢٨ - ١٢٩]، (فأولياؤهم من الإنس) لفظ يدخل فيه الكفار قطعاً، فإنهم أحق بموالاتهم من عصاة المسلمين.
وقال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:٩٩ - ١٠٠].
وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:٢٧].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} [الأعراف:٢٠١ - ٢٠٢].
وقال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:٤٠ - ٤١].
وقال تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف:٥٠].
وقال تعالى: {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَان