[دفع احتجاج القدرية على خلق الإنسان فعله بقوله تعالى:(فمن نفسك)]
قال رحمه الله تعالى: [وليس للقدرية أن يحتجوا بقوله تعالى: ((فَمِنْ نَفْسِكَ))].
يقصد القدرية الذين قالوا بأن الإنسان خالق أفعاله أو بعض أفعاله، فبعضهم قالوا: إنه خلق أفعاله، وبعضهم قالوا: خلق بعض أفعاله، وبعضهم يقول بأنه هو الموجد والأصل في أفعال الشر، وليس لله فيها خلق! تعالى الله عما يزعمون، المهم أن هؤلاء هم القدرية الأولى، وقدرية المعتزلة كذلك.
قال رحمه الله تعالى: [وليس للقدرية أن يحتجوا بقوله تعالى: ((فَمِنْ نَفْسِكَ))، فإنهم يقولون: إن فعل العبد حسنة كان أو سيئة فهو منه لا من الله! والقرآن قد فرق بينهما وهم لا يفرقون، ولأنه قال تعالى:((كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ))، فجعل الحسنات من عند الله، كما جعل السيئات من عند الله، وهم لا يقولون بذلك في الأعمال، بل في الجزاء.
وقوله بعد هذا:((مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ))، و ((مِنْ سَيِّئَةٍ))، مثل قوله:((وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ))، و ((وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ)).
وفرق سبحانه وتعالى بين الحسنات التي هي النعم، وبين السيئات التي هي المصائب؛ فجعل هذه من الله، وهذه من نفس الإنسان؛ لأن الحسنة مضافة إلى الله؛ إذ هو أحسن بها من كل وجه، فما من وجه من وجوهها إلا وهو يقتضي الإضافة إليه.
وأما السيئة فهو إنما يخلقها لحكمة، وهي باعتبار تلك الحكمة من إحسانه؛ فإن الرب لا يفعل سيئة قط، بل فعله كله حسن وخير؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الاستفتاح:(والخير كله بيديك، والشر ليس إليك)، أي: فإنك لا تخلق شراً محضاً، بل كل ما تخلقه ففيه حكمة هو باعتبارها خير، ولكن قد يكون فيه شر لبعض الناس، فهذا شر جزئي إضافي، فأما شر كلي أو شر مطلق فالرب سبحانه وتعالى منزه عنه، وهذا هو الشر الذي ليس إليه.
ولهذا لا يضاف الشر إليه مفرداً قط، بل إما أن يدخل في عموم المخلوقات، كقوله تعالى:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}[الرعد:١٦]، ((كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ))، وإما أن يضاف إلى السبب، كقوله:{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}[الفلق:٢]، وإما أن يحذف فاعله، كقول الجن:{وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا}[الجن:١٠].
وليس إذا خلق ما يتأذى به بعض الحيوان لا يكون فيه حكمة، بل لله من الرحمة والحكمة ما لا يقدر قدره إلا الله تعالى، وليس إذا وقع في المخلوقات ما هو شر جزئي بالإضافة يكون شراً كلياً عاماً، بل الأمور العامة الكلية لا تكون إلا خيراً ومصلحة للعباد، كالمطر العام، وكإرسال رسول عام].