للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على القدرية في اعتقادهم أن العبد يخلق فعله]

قال رحمه الله تعالى: [وما قالته القدرية بناء على أصلهم الفاسد، وهو إقدار الله للمؤمن والكافر والبر والفاجر سواء، فلا يقولون: إن الله خص المؤمن المطيع بإعانة حصل بها الإيمان، بل هذا بنفسه رجح الطاعة، وهذا بنفسه رجح المعصية، كالوالد الذي أعطى كل واحد من بنيه سيفاً، فهذا جاهد به في سبيل الله، وهذا قطع به الطريق.

وهذا القول فاسد].

يعني: هذا القول بأنه لا دخل لقدرة الله عز وجل في أفعال العباد، الذي يتضمن قولهم بنفي الهداية والإضلال من الله عز وجل، وبنفي التوفيق والخذلان، فنحن نقول: إن الله عز وجل يهدي من يشاء ويوفق من يشاء، وأن الله عز وجل يضل من يشاء ويخذل من يشاء، هم يقولون: لا، الإنسان خالق لأفعاله قادر على أفعاله، فإن ضل فبقدرته واستطاعته التي توجد في غريزته، وإن اهتدى فبقدرته واستطاعته.

هذا كلام قدرية المعتزلة، وهذا باطل، فإن الله عز وجل أقدر المؤمنين على فعل الخيرات هداية منه وتوفيقاً سبحانه، وأقدر الكفار على فعل الكفر، وحجبهم عن الخير والهدى إضلالاً وخذلاناً منه؛ لأمر يعلمه سبحانه ولحكمة؛ لما يعلمه عن هؤلاء العباد وما يستحقون.

فلا يقال: إن الله عز وجل لم يخص المطيع بالطاعة، إنما المطيع بإرادته وباستطاعته أطاع فقط، بل لا بد من أن يكون لله عز وجل تقدير في التوفيق والخذلان.

قال رحمه الله تعالى: [وهذا القول فاسد باتفاق أهل السنة والجماعة المثبتين للقدر، فإنهم متفقون على أن لله على عبده المطيع نعمة دينية، خصه بها دون الكافر، وأنه أعانه على الطاعة إعانة لم يعن بها الكافر، كما قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:٧].

فالقدرية يقولون: هذا التحبيب والتزيين عام في كل الخلق، وهو بمعنى البيان وإظهار دلائل الحق، والآية تقتضي أن هذا خاص بالمؤمن، ولهذا قال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:٧] والكفار ليسوا راشدين].

هناك خلط في العبارات، فقوله: (فالقدرية يقولون: هذا التحبيب إلى آخره، إلى أن قال: وإظهار دلائل الحق بدأ يرد على القدرية، فقال: والآية تقتضي أن هذا خاص بالمؤمنين) يعني: تزيين الإيمان في القلوب وتحبيبه خاص بالمؤمنين.

قال رحمه الله تعالى: [وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:١٢٥].

وأمثال هذه الآية في القرآن كثير، يبين أنه سبحانه هدى هذا وأضل هذا، قال تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا} [الكهف:١٧] وسيأتي لهذه المسألة زيادة بيان إن شاء الله تعالى.

وأيضاً فقول القائل: يرجح بلا مرجح، إن كان لقوله: (يرجح) معنى زائد على الفعل، فذلك هو السبب المرجح، وإن لم يكن له معنى زائد، كان حال الفاعل قبل وجود الفعل كحاله عند الفعل، ثم الفعل حصل في إحدى الحالتين دون الأخرى بلا مرجح، وهذا مكابرة للعقل، فلما كان أصل قول القدرية: إن فاعل الطاعات وتاركها كلاهما في الإعانة والإقدار سواء؛ امتنع على أصلهم أن يكون مع الفعل قدرة تخصه؛ لأن القدرة التي تخص الفعل لا تكون للتارك وإنما تكون للفاعل، ولا تكون القدرة إلا من الله تعالى.

وهم لما رأوا أن القدرة لا بد أن تكون قبل الفعل، قالوا: لا تكون مع الفعل، لأن القدرة هي التي يكون بها الفعل والترك، وحال وجود الفعل يمتنع الترك، فلهذا قالوا: القدرة لا تكون إلا قبل الفعل، وهذا باطل قطعاً].

هنا ترك قول الأشاعرة، وبدأ يرد على القدرية.