قال رحمه الله تعالى:[وتاسعها: أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء، وهو يتكلم به بصوت يسمع، وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديماً، وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة].
هذا هو الحق، وهذا الذي تقتضيه النصوص، فإن الله تعالى لم يزل متكلماً، بمعنى: أنه يتكلم كما يشاء إذا شاء، فمشيئة الله لا راد لها، وعموم المشيئة ثابت بالنصوص القطعية، وعموم المشيئة أيضاً يشمل جميع ما يتعلق بأفعال الله تعالى، فالله تعالى يفعل ما يشاء، ومن أفعال الله تعالى الكلام.
و (متى شاء) بمعنى: في أي زمن، بدليل أن الله سبحانه وتعالى يخلق بكلمة (كن)، وخلق الله لا ينتهي، وبدليل أن الله سبحانه وتعالى كلم أنبياءه السابقين، وبدليل أن الله سبحانه وتعالى يكلم عباده يوم القيامة، كما ورد في النصوص الصحيحة أن الله سبحانه وتعالى ينادي عباده يوم القيامة بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد.
وهذا ثابت في النصوص، وهذا في المستقبل، والكلام في الماضي ثبت من خلال تكليم الأنبياء وغيرهم، ومن خلال كلمة (كن)، فإن كلمة (كن) خلق الله بها الخلق ولا يزال يخلق بها، فإذا أراد شيئاً قال له: كن.
و (كيف شاء) معناه أن الكيفية التي يتكلم الله بها راجعة إلى مشيئته، فلا يقال: كيف يتكلم؟ فما دام أن مشيئته عامة فالله يتكلم كيف يشاء، وهذا يعني أننا لا نخوض في الكيفية.
وقول أهل السنة:(يتكلم بصوت يسمع) ليس من عندهم، بل ورد في الحديث الصحيح أن الله تعالى ينادي يوم القيامة بصوت يسمعه من قرب كما يسمعه من بعد، فالقريب والبعيد يسمعون كلام الله تعالى على نحو واحد.
فالسلف في تقرير العقيدة يستندون على النصوص الشرعية ولم يأتوا من عند أنفسهم بشيء.
ومعنى (أن نوع الكلام قديم) أنه صفة من صفات الله تعالى في الأزل، وإن لم يكن الصوت المعين قديماً، فكون الله سبحانه وتعالى تكلم بالقرآن لا يعني أن القرآن قديم من حيث الكلام به، لا يلزم ذلك لئلا يقال بأن الكلام أزلي مع الله سبحانه وتعالى، بمعنى: أنه منفصل عن الله أو عن أفعال الله، وهذا القول هو المأثور عن أئمة السلف.
قال رحمه الله تعالى: [وقول الشيخ رحمه الله: (وإن القرآن كلام الله): (إن) بكسر الهمزة، عطف على قوله:(إن الله واحد لا شريك له)، ثم قال:(وإن محمداً عبده المصطفى)، وكسر همزة (إن) في هذه المواضع الثلاثة؛ لأنها معمول القول، أعني قوله في أول كلامه: نقول في توحيد الله].