للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر سماع الأنغام المطربة على الصوفية وحكم ذلك]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما يحصل لبعضهم عند سماع الأنغام المطربة من الهذيان، والتكلم ببعض اللغات المخالفة للسان المعروف منه، فذلك شيطان يتكلم على لسانه كما يتكلم على لسان المصروع، وذلك كله من الأحوال الشيطانية، وكيف يكون زوال العقل سبباً أو شرطاً أو تقرباً إلى ولاية الله، كما يظنه كثير من أهل الضلال؟! حتى قال قائلهم: هم معشر حلوا النظام وخرقوا الـ سياج فلا فرض لديهم ولا نفل مجانين إلا أن سر جنونهم عزيز على أبوابه يسجد العقل وهذا كلامُ ضالٍ، بل كافر، يظن أن للجنون سراً يسجد العقل على بابه، لما رآه من بعض المجانين من نوع مكاشفة، أو تصرف عجيب خارق للعادة، ويكون ذلك بسبب ما اقترن به من الشياطين، كما يكون للسحرة والكهان، فيظن هذا الضال أن كل من كاشف أو خرق عادة كان ولياً لله.

ومن اعتقد هذا فهو كافر، فقد قال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} [الشعراء:٢٢١ - ٢٢٢] فكل من تنزل عليه الشياطين لا بد أن يكون عنده كذب وفجور].

في هذا إشارة إلى أن أكثر الذين يتعلق بهم الصوفية من الأشخاص، الذين عندهم شيء من التخرص، تكون مخاريقهم عن طريق الشياطين، وعن طريق الجن، سواء كان الجن فسقة وفجاراً وهو الغالب، أو حتى بعض الصالحين من الجن يستهويهم تعلق الإنسان بهم؛ لأن الجن بطبعه أضعف من الإنسي ويهابه، لا كما يظن كثير من الناس أن الجني له سلطة، وأنه أقوى إرادة من الإنسان، لا، بل العكس، الصحيح أن الإنسان أقوى على الجني إذا اعتمد على الله عز وجل، والجني بطبعه أضعف من الإنسي، فإذا وجد من الإنس نوع انجذاب إليه فرح بذلك واستهواه.

ولذلك يحدث من بعض المقصرين من صالحي الجن الاستحواذ على صالحي الإنس، فيخدمونهم ويقدمون لهم شيئاً مما يطلبون منهم، ولذلك يقع الجن في الكذب؛ من أجل استدراج الإنس، ومن أجل أن يبقوا متعلقين بهم، فلذلك ينبغي التنبه، خاصة من الرقاة والقراء الذين يقرءون على الممسوسين، ينبغي أن يتنبهوا لهذه المسألة، وهو أن بعض صالحي الجن يكذب، بل ربما يضطر للكذب؛ لأن الموقف بالنسبة له حرج، والإنسي لا يقدر هذا الموقف، فالجني لشدة ضعفه قد يضطر للكذب وإن كان صالحاً.

أما فجرة الجن والشياطين فمن باب أولى أن يكون عبثهم بالإنس مما يصل إلى حد دعاوى تكبر عند الإنس، وتجعلهم يظنون أن هذا الإنسي الممسوس إنما يتلقى عن الله عز وجل، أو يتلقى بإلهام مباشر، أو برؤى أو كرامات، كل ذلك من عبث الشياطين.