قال رحمه الله تعالى: [قوله: (ثم لـ عثمان رضي الله عنه).
أي: ونثبت الخلافة بعد عمر لـ عثمان رضي الله عنهما، وقد ساق البخاري رحمه الله قصة قتل عمر رضي الله عنه، وأمر الشورى، والمبايعة لـ عثمان في صحيحه، فأحببت أن أسردها، كما رواها بسنده: عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر رضي الله عنه قبل أن يصاب بالمدينة بأيام، ووقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف، فقال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حملناها أمراً هي له مطيقة؛ ما فيها كثير فضل، قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: لا، فقال عمر: لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً، قال: فما أتت عليه أربعة حتى أصيب، قال: إني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال: استووا، حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف، أو النحل، أو نحو ذلك في الركعة الأولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبر، فسمعته يقول: قتلني، أو أكلني الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكين ذات طرفين، لا يمر على أحد يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً، مات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنساً، فلما ظن أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر فقد يرى الذي أرى، وأما نواحي المسجد، فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله سبحان الله! فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة، فلما انصرفوا، قال: يا ابن عباس انظر من قتلني؟ فجال ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة، قال: الصنع؟ قال: نعم، قال: قاتله الله! فلقد أمرت به معروفاً! الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجل يدعي الإسلام، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقاً، فقال: إن شئت فعلت؟ أي: إن شئت قتلنا؟ قال: كذبت! بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا قبلتكم، وحجوا حجكم؟ فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس عليه، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جوفه، فعرفوا أنه ميت، فدخلنا عليه، وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل شاب، فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك، من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة، قال: وددت أن ذلك كان كفافاً لا علي ولا لي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا علي الغلام، قال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك، يا عبد الله بن عمر! انظر ما علي من الدين؟ فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً ونحوه، قال: إن وفى لي مال آل عمر فأده من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم، فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، فسلم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، قالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرن به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، قال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت، قال: الحمد لله، ما كان شيء أحب إلي من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين، وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسرب معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال، فولجت داخلاً لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعداً، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء، كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمرة سعداً فذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله من عجز ولا خيانة.