قال:[امتداد مدرسة ابن تيمية: لقد جمع الإمام ابن تيمية رحمه الله منهج أهل السنة والجماعة في العلم والاعتقاد والفهم والعمل والسلوك، وأحياه وحرره تحريراً بديعاً اتسم بسعة العلم وقوة الأمانة وحسن العرض ودقة الضبط، ولكن ابن تيمية سبق ولحق في هذا الميدان بجهاد علمي صادق ومتصل].
أحب أن أشير إلى مسألة أرى أنها مهمة فيما يتعلق بجهود شيخ الإسلام ابن تيمية في خدمة عقيدة السلف، وأقدم لهذا بالتنبيه على المراحل التي مرت بها مناهج السلف في تقرير العقيدة، بمعنى: تقريرها على شكل مؤلفات ومصنفات وتبيينها للناس.
المرحلة الأولى: هي مرحلة تنزل القرآن وإلى نهاية القرن الأول، فهذه الأساس فيها ما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الناس يستمدون كل شيء في الدين من القرآن والسنة، ويرجعون فيما لم يدركوه إلى أهل العلم، حتى الصحابة كانوا يأخذون الدين مباشرة عن القرآن والسنة، هذا في الجملة، لكن عامتهم كانوا لا يستطيعون استنباط كل شيء في الدين، فكانوا يرجعون إلى أهل الاختصاص من الصحابة، لذلك برز من الصحابة من برز في اختصاصات شرعية تتعلق ببيان الدين للناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، كبروز علي في القضاء وزيد في الفرائض، وبروز غيرهما من الصحابة في بعض الجوانب، وهناك من كانوا مرجعاً علمياً شاملاً كـ ابن عباس وابن مسعود وأبي موسى الأشعري وغيرهم من أئمة الصحابة، فكانوا أئمة في الدين يرجع إليهم، وكان منهجهم في تقرير العقيدة لا يعدو إظهار النص والاستنباط من القرآن والسنة ثم التعليق على النص لإيضاحه دون بسط في الشرح أو تصنيف أو مؤلفات؛ لأن الناس كانوا أقرب إلى الفطرة وأفهم للغة وأبعد عن البدع والخرافات، ولم تتشعب بهم السبل ولم تظهر الفرق، فكان الناس على هدي واحد، العقيدة عقيدة الجميع والمنهج منهج الجميع والسنة عليها الجميع، ومن شذ برز شذوذه عند العامة والخاصة، هذا في القرن الأول، فلذلك لم توجد مؤلفات، وما كان الناس بحاجة إلى مؤلفات، إنما كانوا بحاجة إلى تعليم، وقام الصحابة بذلك حق القيام، وبرزت في عهدهم بعض الطوائف، وكان شذوذها ظاهراً كالخوارج والشيعة كما هو معلوم، وسبب بروزها هو أنها تركت تلقي الدين عن العلماء، هذا هو السبب الرئيس الأول، ولا ننسى جهود ابن سبأ، لكن ابن سبأ دخل على هذه الطائفة من الناس لأنهم لم يتلقوا دينهم عن الصحابة، والذين تلقوا دينهم عن الصحابة عصمهم الله.
المهم أنه في القرن الأول كانت العقيدة هي السائدة، وما كانت تحتاج إلى مؤلفات ولا تحتاج إلى مصنفات ولا تحتاج إلى شيء من تقرير الأصول والمناهج الزائدة على ما في النصوص.