[سد الجهمية طريق معرفة الرب بالقدح في دلالة النصوص على الصفات]
قال رحمه الله تعالى:[وبهذا قدحوا في دلالة القرآن على الصفات، قالوا: والآحاد لا تفيد العلم ولا يحتج بها من جهة طريقها ولا من جهة متنها، فسدوا على القلوب معرفة الرب تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة الرسول، وأحالوا الناس على قضايا وهمية].
يقصد بذلك أن كثيراً مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمور الدين ورد بطريق الآحاد، ثم إنه حينما ورد ذلك قبله الصحابة وقبله التابعون وأئمة الهدى، فهو عند السلف يفيد العلم، بل كل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بآحاد أو تواتر فإنه يعد من مصادر الدين الأساسية، وسيذكر المؤلف أصل هذه القاعدة، والذي يتلخص أن سلف هذه الأمة عنوا بالأسانيد عناية فائقة قطعت الشبهة أو الشك في أي حديث يرد ويثبت بإسناد صحيح فإذا كنا عرفنا أن السلف عنوا عناية فائقة فصار عندهم تمييز قاطع بين الصحيح وغير الصحيح؛ فهذا يعني أنه لا يمكن أن يقال بأن حديث الآحاد أو خبر الآحاد لا يعتمد عليه في الدين.
قال رحمه الله تعالى: [وأحالوا الناس على قضايا وهمية ومقدمات خيالية سموها قواطع عقلية وبراهين يقينية، وهي في التحقيق {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ}[النور:٣٩ - ٤٠]، ومن العجب أنهم قدموها على نصوص الوحي وعزلوا لأجلها النصوص، فأقفرت قلوبهم من الاهتداء بالنصوص، ولم يظفروا بقضايا العقول الصحيحة المؤيدة بالفطرة السليمة والنصوص النبوية، ولو حكموا نصوص الوحي لفازوا بالمعقول الصحيح الموافق للفطرة السليمة.
بل كل فريق من أرباب البدع يعرض النصوص على بدعته وما ظنه معقولاً، فما وافقه قال: إنه محكم وقبله واحتج به، وما خالفه قال: إنه متشابه ثم رده وسمى رده تفويضاً! أو حرفه وسمى تحريفه تأويلاً! فلذلك اشتد إنكار أهل السنة عليهم].