[مناقشة المؤولة والمعطلة في بيان أن الإثبات لا يستلزم التشبيه]
وأراد هنا أن يناقش المؤولة والمعطلة؛ لأن تلبيسهم أشد من تلبيس المشبهة، التشبيه تنفر منه النفوس والفطر، ولا يحتاج التشبيه إلى تقعيد فلسفي ولا إلى قواعد عقلية ولا إلى قواعد كلامية، وتنفر منه جميع النفوس، فلا يحتاج إلى تكلف في رده؛ لأن تشبيه الخالق بالخلق تنفر منه فطرة كل إنسان، فلذلك لا يحتاج إلى مزيد كلام، لكن المشكلة في تلبيس المؤولة والمعطلة الذين نفوا أسماء الله وصفاته بدعوى أنها توهم المشابهة، أو الذين نفوا الصفات بدعوى أنها توهم المشابهة، أو الذين أولوا بعض الصفات بدعوى أنها توهم المشابهة، كل هؤلاء يناقشون على قاعدة واحدة، لكن كل واحد منهم نناقشه بقدر ما نتفق وإياه على الأمور الأولية التي يسلم بها، فكلهم لا بد من أن يسلموا بشيء كما سيأتي، فلذلك سنعرف من خلال الكلام أن الشارح سيتدرج في مناقشة المؤولة والمعطلة تدرجاً يأخذهم فيه دفعة دفعة، فيبدأ بالمؤولة الذين تأويلهم خفيف، ثم يثني بمنكري الصفات، ثم يثلث بمنكري الصفات والأسماء جميعاً، فيأخذهم بأسلوب واحد على قاعدة واحدة.
قال رحمه الله تعالى: [وهم يوافقون أهل السنة على أنه موجود، عليم، قدير، حي، والمخلوق يقال له: موجود، حي، عليم، قدير، ولا يقال: هذا تشبيه يجب نفيه].
هنا يناقش الأشاعرة والماتريدية، يعني: بدأ بالفرق التي هي أقل خروجاً عن السنة في التأويل، أو الذين يمكن أن يكون بيننا وبينهم شيء من الالتزام بالنصوص وظاهرها وبعض القواعد التي تستنبط من النصوص، وهم الأشاعرة والماتريدية، فهو هنا يناقش المؤولة المتكلمين من الأشاعرة ومن نحا نحوهم.
قال رحمه الله تعالى: [وهذا مما دل عليه الكتاب والسنة وصريح العقل، ولا يخالف فيه عاقل، فإن الله سمى نفسه بأسماء، وسمى بعض عباده بها، وكذلك سمى صفاته بأسماء، وسمى ببعضها صفات خلقه، وليس المسمى كالمسمى، فسمى نفسه حياً، عليماً، قديراً، رءوفاً، رحيماً، عزيزاً، حكيماً، سميعاً، بصيراً، ملكاً، مؤمناً، جباراً، متكبراً، وقد سمى بعض عباده بهذه الأسماء فقال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام:٩٥]، {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:٢٨]، {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيم} [الصافات:١٠١]، {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨]، ((فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)) [الإِنسَان:٢]، {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ} [يوسف:٥١]، {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} [الكهف:٧٩]، {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً} [السجدة:١٨]، {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ} [غافر:٣٥]، ومعلوم أنه لا يماثل الحي الحي، ولا العليم العليم، ولا العزيز العزيز، وكذلك سائر الأسماء.
وقال تعالى: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِه} [البقرة:٢٥٥]، {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:١٦٦]، {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} [فاطر:١١]، {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٨]، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [السجدة:١٥].
وعن جابر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري -أو قال: عاجل أمري وآجله- فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به.
قال: ويسمي حاجته) رواه البخاري.
وفي حديث عمار بن ياسر الذي رواه النسائي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، وأسألك القصد في الغنى والفقر، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضى بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين)].
الخلاصة في هذا الكلام كله أن الشارح قرر طريقة السلف في إلزام المؤولة أو منكري الأسماء والص