المقطع السابق كله لا يزال فيه نوع في بيان معنى أن الإيمان يزيد بالعمل، بل ربما يفهم بعض الناس -وربما يكون هذا مقصود الشارح- أن كل هذه النصوص وهذه المعاني قصد بها أن الزيادة والنقص في القلب فقط، أي: في الجانب التطبيقي، فربما يفهم من عبارات الشارح هذا الكلام.
والحقيقة أني تأملت الأمر فوجدت أن ما ساقه الشارح هنا يحتمل الأمرين: يحتمل أن المقصود به الاستدلال على قول القدرية؛ لأن المقصود بزيادة الإيمان زيادة اليقين في القول وزيادة التصديق فقط، وأما كون الإيمان يزيد بالأعمال -يعني أن الأعمال تدل على زيادة التصديق، وأن الأعمال من لوازم الإيمان وليست من ذاته- فهذا محتمل حقيقة، لكن مع ذلك فإن في العبارات ما يدل على أنه يقصد أن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال، وأن الزيادة والنقص ليست فقط بزيادة اليقين والتصديق، إنما هي أيضاً زيادة تشمل العمل، بمعنى أن العمل من الإيمان وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
فقوله:[وأما زيادة الإيمان من جهة الإجمال والتفصيل] إلى آخر ما ذكره يحتمل أن الشارح أراد فيها الانتصار لمنهج أهل السنة والجماعة رداً على المرجئة بإثبات أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان، وأنه بها يزيد وينقص، لكنه لم يفصح عن ذلك إفصاحاً بيناً.
فمثلاً: قوله: [وأما الزيادة في العمل والتصديق المستلزم لعمل القلب والجوارح] فيه إشارة إلى أنه يقصد الاستدلال لمذهب المرجئة؛ لأن زيادة الإيمان بالأعمال لا تدل على أن الأعمال من مسمى الإيمان، إنما تدل على أن الأعمال مظاهر للجانب التطبيقي والمعرفي في القلب، وأننا نعرف زيادة الإيمان ونقصه بلوازمه وبالأعمال، وهذا وارد، لكنه غير صحيح.
ويحتمل أنه يقصد الاستدلال على أن الإيمان يزيد وينقص بزيادة الأعمال ونقصها، أي: بالعمل والترك حسب الأوامر الشرعية.
وفي الحقيقة أني تأملت في هذا المقطع كله أكثر من مرة ووجدت أن الأمر فيه غموض، فالشارح ابن أبي العز اضطرب في هذه المسائل والتي قبلها وفي بعض ما سيرد، فعنده نزعة الاعتذار للمرجئة الأحناف، في حين أنه -والله أعلم- يميل في حقيقة الأمر إلى مذهب أهل السنة والجماعة؛ ولذلك حاول أن يتوسط بأسلوب فيه اضطراب، فكان كلامه محتملاً للأمرين: يحتمل أنه يقصد بهذا المقطع كله الاستدلال على أن الإيمان يزيد وينقص بالأعمال، وأن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، ويحتمل العكس، أنه أراد الاستدلال على أن الأعمال زيادتها ونقصها إنما هي دليل على زيادة ونقص التصديق في القلب، أي: إنما هي مستلزمات فقط، أي: قرائن ودلائل على الإيمان الذي في القلب، وليست من مسمى الإيمان.