قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل الله ونزلت به كتبه نوعان: توحيد في الإثبات والمعرفة، وتوحيد في الطلب والقصد.
فالأول: هو إثبات حقيقة ذات الرب تعالى وصفاته وأفعاله وأسمائه، ليس كمثله شيء في ذلك كله، كما أخبر به عن نفسه، وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع كل الإفصاح، كما في أول الحديد وطه وآخر الحشر وأول (الم تَنزِيلُ) السجدة وأول آل عمران وسورة الإخلاص بكمالها، وغير ذلك].
هذا النوع الأول من التوحيد هو توحيد الإثبات والمعرفة، ويسمى التوحيد العلمي، ويسمى أيضاً التوحيد الخبري؛ لأنه الذي جاء به الخبر، وهو توحيد الإقرار بربوبية الله سبحانه وتعالى، وسمي معرفة؛ لأنه أتى بوسائل المعرفة التي تعرف بها الأمور، وأعرف المعارف معرفة الله سبحانه وتعالى؛ لأنه أعرف شيء، وغيره يعرف به، فلذلك نجد أن طرق الإثبات والمعرفة في توحيد الله سبحانه وتعالى ليست مقصورة على الخبر، كما يظن بعض الناس أن الوحي هو الذي جاءنا بمعرفة الله، بل وسائل معرفة الله تعالى كثيرة جداً، منها: الفطرة، ومنها العقل السليم الذي عليه المعول؛ لأن العقل المنكوس لا يعول عليه، فالعقل السليم يعرف الله، والفطرة السليمة تعرف الله، وهناك أيضاً وسائل أخرى لمعرفة الله تعالى، مثل الآيات البينات، وهي وسيلة من وسائل إعلام الله لخلقه بمعرفته، فالله يعلم خلقه بآياته في الآفاق وفي الأنفس وبآياته المتعلقة بدلائل وجوده سبحانه وتعالى.
إذاً: فوسائل المعرفة كلها تدل على توحيد الله تعالى الذي هو توحيد الربوبية وتوحيد الإثبات.
قال رحمه الله تعالى: [والثاني -وهو توحيد الطلب والقصد- مثل ما تضمنته سورة:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}[الكافرون:١]، و {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}[آل عمران:٦٤]، وأول سورة (تنزيل الكتاب) وآخرها، وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام].