للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أدلة الكتاب على زيادة الإيمان ونقصانه]

قال رحمه الله تعالى: [والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة والآثار السلفية كثيرة جداً، منها: قوله تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال:٢]].

هنا صرح تعالى بزيادة الإيمان، فزيادة الإيمان بسبب الجمع بين العمل والمعرفة، أو العمل والتطبيق، أو تلاوة آيات الله، زادتهم إيماناً، ولا شك أنه يلزم منها أنها زادتهم يقيناً وزادتهم عملاً؛ لأن من زاد يقينه زاد عمله.

قال رحمه الله تعالى: [{وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:٧٦]، {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:٣١]، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح:٤]، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:١٧٣]].

هذه خمسة أدلة من كتاب الله عز وجل كلها صريحة صراحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض في أن الإيمان يزيد، وعلى أنه يزيد بمجموعة من الأمور القلبية والعملية، وليس في الأمور القلبية التصديقية فقط.

قال رحمه الله تعالى: [وكيف يقال في هذه الآية والتي قبلها: إن الزيادة باعتبار زيادة المؤمن به؟! فهل في قول الناس: (قد جمعوا لكم فاخشوهم) زيادة مشروع؟! وهل في إنزال السكينة على قلوب المؤمنين زيادة مشروع؟!].

هنا أشار إلى اعتراض قال به المرجئة، وهو أنهم قالوا في الزيادة المذكورة في هذه الآيات وفي غيرها: إن هذه الزيادة باعتبار زيادة المؤمن به، أي: بزيادة الشرائع، فقالوا: إن زيادة الإيمان للمؤمنين بزيادة ما يرد إليهم من الله عز وجل من أوامر ونواه وأخبار، فكلما زادت الأخبار عندهم -بزعمهم- وصدقوا بها زاد إيمانهم بذلك، وكلما زادت الأعمال وصدقوا بها زاد إيمانهم، فكأنهم أعادوا الزيادة إلى مجرد التصديق بالقلب، ثم أجابوا على هذا: بأن قولهم هذا لا يصح وإن كان ضمن الزيادة الواردة في النصوص الشرعية، فلا شك أن زيادة المؤمن به واقعة، بمعنى أن الشرائع تزيد في وقت تنزل الوحي، وفي وقت نزول هذه الآيات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه أشياء من الأعمال والاعتقادات تزيد في مسمى الإسلام، وفي شرائعه، هذا معنى صحيح، لكن ليس هذا فقط هو معنى الزيادة.

إذاً: فالذين قالوا بأن الزيادة زيادة المؤمن به يقصدون به زيادة الأعمال المشروعة، فرد عليهم بقوله: فهل في قول الناس {قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران:١٧٣] زيادة مشروع؟! يعني: هل جاء فيه تشريع جديد؟! نعم إن الله عز وجل أمرهم بأن يثبتوا في الإيمان، لكن لا يعني ذلك أنه جاءهم أمر جديد في الدين، إنما أمرهم الله عز وجل بأن يثبتوا على ما هم عليه، فكذلك بقية الآيات، فليس فيها زيادة عمل مشروع، إنما فيها إشارة إلى أن المؤمنين الذين حصل لهم ذلك زاد إيمانهم، وزاد يقينهم، وزاد عملهم، وزاد أخذهم بالأسباب، وكل مستلزمات الزيادة معروفة، وأقل ذلك أنهم لما قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم؛ قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا دليل على أنهم جمعوا بين يقين القلب وبين العمل، وهو نطق اللسان في الاحتساب وفي مسألة اللجوء إلى الله عز وجل.

قال رحمه الله تعالى: [وهل في إنزال السكينة على قلوب المؤمنين زيادة مشروع؟! وإنما أنزل الله السكينة في قلوب المؤمنين مرجعهم من الحديبية ليزدادوا طمأنينة ويقيناً، ويؤيد ذلك قوله تعالى: {هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ} [آل عمران:١٦٧]، وقال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:١٢٤ - ١٢٥]].

الآيات التي تتنزل ويزداد بها المؤمنون إيماناً تتضمن العقائد والأمور القلبية، وتتضمن الأعمال، هذا شيء.

الشيء الآخر: أن الله عز وجل نسب الزيادة إلى الإيمان نسبة صريحة لا لبس فيها كما ذكرت، إذاً: فمحاولة تأول هذا الأمر فيه نوع تناقض وتكلف.