[ضلال المتكلمين في انتهاج رد خبر الآحاد في الاعتقاد واستدلالهم بشعر للأخطل النصراني]
قال رحمه الله تعالى:[وأما من قال: إنه معنى واحد، واستدل عليه بقول الأخطل: إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا فاستدلال فاسد].
الذين قالوا: إنه معنى واحد هم من ورثة الكلابية، وهم أهل الكلام.
قال رحمه الله تعالى: [ولو استدل مستدل بحديث في الصحيحين لقالوا: هذا خبر واحد، ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول والعمل به.
فكيف وهذا البيت قد قيل: إنه موضوع منسوب إلى الأخطل وليس هو في ديوانه؟! وقيل: إنما قال: (إن البيان لفي الفؤاد)، وهذا أقرب إلى الصحة].
مسألة متعلقة بمنهج الاستدلال عند المتكلمين، وأشار إليها هنا الشارح إشارة طيبة وجيدة تحتاج إلى وقفة يسيرة.
فهؤلاء المتكلمون لا يستدلون بحديث الآحاد في مسائل العقيدة، وإن كانت أحاديث الآحاد أصلاً في كثير من مسائل الدين، بل أصل كثير من مسائل الدين القطعية التي عمل بها المسلمون إلى يومنا هذا، سواء كانت اعتقادية أو عملية، كثير منها ثبت بأحاديث الآحاد، بل من ذلك ما هو من قواعد الدين الكبرى، مثل حديث:(إنما الأعمال بالنيات) هذا حديث آحاد، ومع ذلك أجمعت الأمة على العمل به وأنه قاعدة من قواعد الشرع، وهكذا كثير من مسائل الاعتقاد ومسائل الأحكام القطعية، وأهل الكلام يقولون: لا نستدل في العقيدة بحديث الآحاد، والشارح يقول: سبحان الله! إذا جئناكم بحديث صحيح في الصحيحين في أمر العقيدة نستدل به على ما يقوله أهل السنة والجماعة ويخالف أصولكم؛ قلتم: هذا حديث آحاد لا نأخذ به، ثم تأتون لنا ببيت لشاعر نصراني عبر عن عقيدته بكلام لا يفهم، أو يفهم منه غير ما يطابق قول أهل السنة والجماعة، ثم إنه كلام لم يثبت، وهو قول آحاد، لم ينسبه إلى نبي معصوم ولم ينسبه إلى إمام ثقة، فكيف تقولون بأن هذا دليل على قولكم بأن الكلام هو ما في الفؤاد، وهو معنى واحد، وتأتون لنا بكلام شاعر ليس بحجة في الدين؟! فحينما تركوا السنة الثابتة بطريق الآحاد جاءوا ليستدلوا بأمثال هذا، بل استدلوا لكثير من أصولهم بالشعر، مثل نفيهم للاستواء، فقد استدلوا له بقول القائل: استوى بشر على العراق، وهذا كلام لا ندري لمن نسب، وسواء كان لمجهول أو لمعلوم؛ فهو ليس بكلام إمام هدى فضلاً عن أن يكون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم في الوقت الذي يردون فيه حديث الآحاد الصحيح يأخذون بأشعار وأقوال لا أصل لها، أو أن أصلها لا يعتمد عليه، فهو هنا يريد أن يستدل على فساد منهجهم في هذه الأمور.