هل كان ميل أبي الحسن الأشعري إلى علم الكلام أم إلى مناظرة أهل الكلام؟
الجواب
هذا مفرق في الفهم، فـ أبو الحسن رحمه الله حينما رجع إلى السنة قرر مذهب أهل السنة والجماعة بأصول السنة جملة وتفصيلاً، ولكن نُمي إلى بعض أئمة السنة أنه لا يزال عنده قناعة ببعض علم الكلام، فنوقش في هذا وطلب منه أن يتراجع، وأن يعلن أنه بريء من علم الكلام، وأنه لا يقول به، فأصر على أن من علم الكلام ما هو مفيد، وحبذ دراسته وتحصيله على أنه علم من العلوم التي يفاد منها، وكان السلف يخالفونه في ذلك؛ لأن علم الكلام كلمة تعني القواعد العقلية التي يعتمد عليها المتكلمون، ولا تعني مجرد استعمال العقليات البدهية في نصر الحق على ضوء القواعد الشرعية وفي مصب النصوص، فهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، وقامت عليه السنة، بل هو نهج القرآن، فالقرآن يثير عقول البشر والبدهيات عندهم وما استقر في الفطرة ليقرر به الحق، وهذا أمر وسيلته العقل لا شك في ذلك، لكن إذا قلنا: علم الكلام؛ فعلم الكلام المقصود به الخوض في أسماء الله وصفاته، وفي مسائل القدر وأمور الغيب الأخرى بمجرد القواعد العقلية مع التلفيق بينها أو التوفيق بينها وبين النصوص، وهذا هو أساس علم الكلام، ولو لم يكن هذا أساسه لما اختلفنا مع الذين يقولون باستخدام العقول في نصرة الحق، فنحن لا نختلف معهم في ذلك، بل نرى أن الأصل عند أهل السنة والجماعة استخدام العقول في نصرة الحق، وهذا أمر بدهي، إنما إذا أرادوا الأمر الآخر -وهو التلفيق بين النصوص والقواعد العقلية، أو استخدام القواعد العقلية البحتة في تقرير قضايا الغيب-؛ فهذا هو مكمن الخطورة، وهو المقصود عند المتكلمين، وإذا كان هذا هو المقصود عند المتكلمين فنحن نقول بقول السلف، ولذلك استنكر الأئمة على الأشعري هذه المسألة، وبقيت مما عابه عليه الأئمة.