للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمثلة للنفي التفصيلي عند أهل الكلام المذموم]

قال رحمه الله تعالى: [يقولون: ليس بجسم، ولا شبح، ولا جثة، ولا صورة، ولا لحم، ولا دم، ولا شخص، ولا جوهر، ولا عرض، ولا بذي لون، ولا طعم، ولا رائحة، ولا مِجَسَّة، ولا بذي حرارة، ولا برودة، ولا رطوبة، ولا يبوسة، ولا طول، ولا عرض، ولا عمق، ولا اجتماع، ولا افتراق، ولا يتحرك، ولا يسكن، ولا يتبعض، وليس بذي أبعاض وأجزاء وجوارح وأعضاء، وليس بذي جهات، ولا بذي يمين ولا شمال وأمام وخلف وفوق وتحت، ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان، ولا يجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن، ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدوثهم، ولا يوصف بأنه متناه، ولا يوصف بمساحة، ولا ذهاب في الجهات، وليس بمحدود، ولا والد ولا مولود، ولا تحيط به الأقدار، ولا تحجبه الأستار إلى آخر ما نقله أبو الحسن الأشعري رحمه الله عن المعتزلة.

وفي هذه الجملة حق وباطل، ويظهر ذلك لمن يعرف الكتاب والسنة].

يقصد بالجملة جملة المفردات، ففي جملة هذه الألفاظ حق وباطل، فهم قد ينفون عن الله تعالى النقائص، لكنهم عن طريق ذلك ينفون عن الله تعالى الصفات الثابتة له، فمثلاً: قولهم بنفي الحركة، وهذا حق في الحركة التي تشبه حركة المخلوقات، لكنهم يدخلون فيها ما يتعلق بأفعال الله تعالى وصفاته التي ثبتت، كالنزول والاستواء.

فحينما زعموا أنه لا يتحرك أدخلوا في هذا الحق والباطل، أما الحق فنفي الحركة التي تشبه حركة المخلوق، وأما الباطل فنفي ما أثبته الله تعالى لنفسه على ما يليق بجلاله، والله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].

وكذلك أدخلوا تحت كلمة (جوارح وأعضاء) حينما نفوا عن الله الجوارح والأعضاء ما ثبت عن الله تعالى في كتابه، كاليد والوجه، وزعموا أنهما أعضاء وجوارح، فمن هنا نوهما عن الله تعالى بسبب قياسهم العقلي الفاسد؛ لأنهم قاسوا الله على الخلق وقاسوا الخلق على الله، وهذا قياس فاسد، فالأولى لهم أن يثبتوا ما أثبته الله لنفسه، لكن على ما يليق بجلاله.

فهم حينما نفوا الجوارح والأعضاء أحسنوا من ناحية، وأساءوا من ناحية أخرى، فأحسنوا حينما نفوا عن الله تعالى الجوارح التي كجوارح المخلوقين، والأعضاء التي كأعضاء المخلوقين، لكن في النهاية انتهى أمرهم إلى الإساءة حينما أدخلوا في ذلك نفي ما أثبته الله لنفسه على ما يليق بجلاله، فأنكروا قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤]، وأنكروا الوجه، وأنكروا غير ذلك من الصفات التي ثبتت لله.

وكذلك قولهم: (وليس بذي جهة، ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا فوق ولا تحت).

فنفي الجهة اشتمل على حق وعلى باطل، فإن قُصِد بنفي الجهة نفي أن الله سبحانه وتعالى يحويه مكان، بمعنى أن الله غير موجود في مكان من مخلوقاته فهم محقون في نفيه، لكن هذا معنى تنفيه الفطر والعقول السليمة، لكنهم أيضاً زادوا وانتهى أمرهم إلى نفي الفوقية والعلو لله تعالى بذاته.

فهم هربوا من التشبيه ووقعوا في التعطيل، مع أنه بإمكانهم أن يثبتوا لله ما أثبته لنفسه من غير تشبيه، والله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، وكأنهم نسوا، أو عاقبهم الله بخضوعهم للعقليات والفلسفات بأن أنساهم هذه القاعدة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] ومقتضاها، ومع ذلك هو مستو على عرشه على ما يليق بجلاله، وكذلك قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] على ما يليق بجلاله، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا) على ما يليق بجلاله؛ لأنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١].

والنزول ليس كنزول المخلوقين، مع أنهم نفوا النزول؛ لأنهم يقولون: لا نعرف من النزول إلا الحركة وتخلية مكان وإشغال مكان آخر.

وهذه من لوازم المخلوقين، والله ليس كالمخلوقين، تعالى الله عما يظنون.

إذاً: فهم خضعوا لخيالاتهم، ووقعوا في شر مما هربوا منه.