للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مثال لمقدمي دلالة العقل على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم]

قال رحمه الله تعالى: [وقد علمنا بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو قال للرسول].

هنا سيضرب مثالاً بحال المتكلمين الذين زعموا أنهم يسلمون للوحي وللقرآن، ثم بعد ذلك وضعوا قواعد يردون بها القرآن ومعاني الوحي.

قال رحمه الله تعالى: [وقد علمنا بالاضطرار من دين الإسلام أن الرجل لو قال للرسول صلى الله عليه وسلم: هذا القرآن الذي تلقيه علينا، والحكمة التي جئتنا بها، قد تضمن كل منهما أشياء كثيرة تناقض ما علمناه بعقولنا، ونحن إنما علمنا صدقك بعقولنا، فلو قبلنا جميع ما تقوله مع أن عقولنا تناقض ذلك لكان ذلك قدحاً فيما علمنا به صدقك، فنحن نعتقد موجب الأقوال المناقضة لما ظهر من كلامك، وكلامك نعرض عنه، لا نتلقى منه هدى ولا علماً، لم يكن مثل هذا الرجل مؤمناً بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يرض منه الرسول بهذا، بل يعلم أن هذا لو ساغ لأمكن كل أحد ألا يؤمن بشيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ العقول متفاوتة، والشبهات كثيرة، والشياطين لا تزال تلقي الوساوس في النفوس، فيمكن كل أحد أن يقول مثل هذا في كل ما أخبر به الرسول وما أمر به، وقد قال تعالى: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [المائدة:٩٩]، وقال: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل:٣٥]، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [إبراهيم:٤]، {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:١٥]، {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف:١ - ٢]، {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف:١]، {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف:١١١]، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:٨٩]، ونظائر ذلك كثيرة في القرآن.

فأمر الإيمان بالله واليوم الآخر: إما أن يكون الرسول تكلم فيه بما يدل على الحق أم لا؟ والثاني باطل، وإن كان قد تكلم على الحق بألفاظ مجملة محتملة؛ فما بلغ البلاغ المبين! وقد شهد له خير القرون بالبلاغ، وأشهد الله عليهم في الموقف الأعظم، فمن يدعي أنه في أصول الدين لم يبلغ البلاغ المبين؛ فقد افترى عليه صلى الله عليه وسلم].