للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطأ استدلال المتكلمين ببيت الأخطل في مسألة الكلام]

قال رحمه الله تعالى: [وعلى تقدير صحته عنه فلا يجوز الاستدلال به؛ فإن النصارى قد ضلوا في معنى الكلام وزعموا أن عيسى عليه السلام نفس كلمة الله، واتحد اللاهوت بالناسوت، أي: شيء من الإله بشيء من الناس! أفيستدل بقول نصراني قد ضل في معنى الكلام على معنى الكلام، ويترك ما يعلم من معنى الكلام في لغة العرب؟! وأيضا: فمعناه غير صحيح؛ إذ لازمه أن الأخرس يسمى متكلماً؛ لقيام الكلام بقلبه، وإن لم ينطق به ولم يسمع منه، والكلام على ذلك مبسوط في موضعه، وإنما أشير إليه إشارة.

وهنا معنى عجيب، وهو أن هذا القول له شبه قوي بقول النصارى القائلين باللاهوت والناسوت، فإنهم يقولون: كلام الله هو المعنى القائم بذات الله الذي لا يمكن سماعه، وإنما النظم المسموع مخلوق، فإفهام المعنى القديم بالنظم المخلوق يشبه امتزاج اللاهوت بالناسوت الذي قالته النصارى في عيسى عليه السلام، فانظر إلى هذا الشبه ما أعجبه!].

على أي حال هذا وجه من وجوه الشبه بين المتكلمين وأهل الكتاب أو الأمم الأخرى، وإلا فسيأتي من خلال درس الفرق والأهواء ربط كثير من أصول المتكلمين -سواء الفرق الأولى كالرافضة، والذين جاءوا فيما بعد كالقدرية والمعتزلة والجهمية، والذين ورثوهم كالكلابية والأشاعرة والماتريدية- التي خالفوا فيها السنة بالديانات والملل والمذاهب الأخرى بقرائن ودلائل قوية، فمنها ما يوجد له أصل عند اليهود، ومنها ما يوجد له أصل عند النصارى، ومنها ما يوجد له أصل عند الفلاسفة من اليونان والصابئة، وهذا كثير جداً، بل أحياناً تجد كلمات المتكلمين بمصطلحاتها عند الفلاسفة بمصطلحاتها، فأحياناً لا يترجمون الكلمة، بل يأتون بها كما هي عند فلاسفة اليونان، وكما هي عند فلاسفة الصابئة، إضافة إلى شَبَهٍ لبعض أصول المجوس وبعض أصول الديانات الهندية، هذا كله -إن شاء الله- سيأتي من خلال درس الفرق، أي: ربط أصول الفرق المنحرفة بأصول الأمم الضالة، وليس ذلك على سبيل التكلف، إنما هو مصداق لقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة -وفي رواية: شبراً بشبر وذراعاً بذراع- حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم) وفي رواية: (لدخلتموه).

إذاً: كوننا نربط أصول المخالفين لأهل السنة والجماعة بالديانات الأخرى ليس ذلك على سبيل التكلف والتمحل، إنما على سبيل تحقيق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وبقرائن واضحة، وسيأتي لهذا إن شاء الله مزيد تفصيل.