للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شروط التكفير وموانعه أمر يلزم استحضاره]

ومن الأمور المهمة ما يتعلق بضرورة التذكير دائماً بأن التكفير له شروط، والشروط تزداد وتنقص من شخص إلى شخص، ومن عهد إلى عهد، ومن عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان، وكذلك للتكفير موانع لابد من اعتبارها، وهذه الموانع تختلف من عصر إلى عصر، ومن شخص إلى شخص، ومن حال إلى حال، ومن وضع إلى وضع، فأوضاع الضرورات غير أوضاع الحالات العادية، وأوضاع الإكراه تختلف عن أوضاع الاختيار.

لذا ينبغي أن نفرق في مسألة الأشخاص بين من يعلم ومن لا يعلم، ومن أقيمت عليه الحجة ومن لم تقم عليه، ومن يشترط أنه علم وسمع وتواتر عنده الأمر ومن لا يشترط فيه ذلك، ومن يمكن أن يكره أو يمكن أن يجهل أو يقع في الأمر المحظور ضرورة ونحو ذلك، ومن ليس كذلك، لاسيما في أحوال المسلمين اليوم، ففي أحوال المسلمين اليوم نجد كثيراً من الأمور انقلب من الحال العادية إلى أحوال الضرورات، وأضرب لهذا مثالاً واحداً وكثيراً ما أضربه؛ لأنه من أوضح الأمثلة، حيث يدل على أن أحوال المسلمين يجب أن نتأنى فيها في إطلاق الأحكام بالكفر أو نحوه عليهم.

ففي البلاد التي يحكم فيها بالقانون الوضعي -نسأل الله العافية- قد يضطر مسلم إلى أن يحمي عرضه باللجوء إلى القانون الوضعي، فلا يحمي عرضه إلا باللجوء إلى القانون الوضعي، أليس هذا الوضع محرجاً؟! إنه إذا ما لجأ إلى المحكمة القانونية سينتهك عرضه غداً، فيمكن أن تؤخذ ابنته أو زوجته؟ أليست هذه معضلة؟ وهناك مسألة أخرى جاءت فيها أسئلة فعلاً واجهتها وواجهها غيري، والمشايخ يواجهونها أكثر منا، حيث يقول السائل: أنا في بلد مسلم من بلاد الإسلام، لكن يلزمني أن أحلق لحيتي، وأن أترك الصلاة جماعة، ولا أصلي إلا خفية، ويلزمني أحياناً أن أتساهل في عرضي، فبنتي تختلط بالشباب في الجامعة، وتسبح معهم في المسابح رغم أنفي، وتختار صديقاً، وإذا عارضت أسجن إلى آخر ذلك من المآسي التي لا نحب أن نجرح بها أفئدة المؤمنين، يقول: أنا مضطر لأن أسافر إلى بلد الشرك؛ لأني سأصلي وأحمي عرضي وأدعو إلى الله عز وجل وأعمل بشعائر الدين تحت ظل قانون كافر خالص في فرنسا أو أمريكا أو ألمانيا أو أي مكان، فما رأيكم؟! أليس السفر من بلد الإسلام إلى بلد الشرك محرماً في الأصل؟! وإذا كان اختياراً وتفضيلاً لبلد الكفار ألا يكون كفراً؟! فما رأيكم في هذه الحالة؟ فمن يتتبع أحوال المسلمين يجد أن مفردات الضرورات كثيرة جداً، وهناك ما هو أعظم من ذلك، فهناك ما يمس جماعات المسلمين ومجتمعاتهم لا أفرادهم.

إذاً: فالمفتي الذي لا يعتبر هذه الأحوال لا أظنه يصيب الحق، ولذا لما نظر في الأمر بعض الذين عندهم تدين بغير بصيرة كفروا المجتمعات المسلمة على هذا الأساس، فإذا سئلوا عن السبب ذكروا هذه الأحوال على أنها موجبة لتكفير المجتمع المسلم، فمن هنا قالوا بأقوال الخوارج.

وقد يقال: ألا يجب الدفاع عن العرض ومدافعة المنكر ومدافعة الشر قبل وقوعه؟ فنقول: بل يجب على المسلمين ذلك، ولكننا نتكلم عن الحكم على أمور ليست بإمكان كثير من المسلمين الآن، وفرق بين ما يجب وبين علاج الواقع، فأنا أتكلم عمن لا يستطيع، فالإنسان إذا لم يستطع حماية نفسه إلا بالأساليب التي ليست مشروعة هل يلجأ إلى الأساليب التي ليست مشروعة؟ وهل الغاية هنا تبرر الوسيلة؟! الأمر الثاني: أن المسلمين الذين هذه أحوالهم في البلاد الأخرى لا يستطيعون أن يعملوا إلا أشياء تضر بهم وتضر بالأمة وتضر بالمجتمع، بل أحياناً قد يتصرف الإنسان تصرف متشنج يحمي فيه نفسه وعرضه، لكن بعد ذلك تتضاعف المشكلة أكثر، فينتهك عرضه وينهب ماله ويؤذى أقاربه ويؤذى أصدقاؤه، وتصير المشكلة جماعية بعد أن كانت فردية.

فكثير من المسلمين اليوم جهلة، وأحوال المسلمين الآن أكثرها واضحة ليست خفية، فلا نبن الأمور على أحكام وهمية، نعم يجب على المسلمين أن يكونوا متمسكين بدينهم، وألا يقع هذا الذي حصل، يجب ألا تكون البدع موجودة في المسلمين؛ لأنها هي التي أدت إلى ضعف اليقين وضعف الإيمان في الناس حتى صار ما صار، ويجب ألا يهيمن التصوف والخزعبلات على عقول المسلمين التي أدت إلى هذا الوهم والسلبية، والأمر لله من قبل ومن بعد، فالتقصير حصل والمآسي حصلت، فنحن لا نفترض وقوع أشياء نخشى أن تقع ونقول: يجب أن نتفاداها قبل أن تقع؛ بل نحن نتكلم في أمور وقعت في المسلمين.

فهذا كله جرنا إليه مسألة أنه ينبغي للمسلم ألا يتعجل في التكفير؛ لأنه ليس كل من وقع في مثل هذه المحظورات، أو وقع في البدع، أو وقع في الأمور التي ورد النص بالتكفير فيها خاصة نحكم بكفره؛ إذ الأحوال تنقلب أحياناً إلى العكس، فأغلب الأحكام يعذر المسلمون فيها على الأقل في التكفير، ولا نقول: ليس فيهم فسق ولا فجور! فلا شك أن أكثر المسلمين فيهم بدع وفيهم فجور وفيهم فسق وفيهم إعراض عن شرع الله عز وجل، ولولا ذلك ما صاروا إلى ما صاروا إليه؛ لأن الله عز وجل ضمن لهم إن تمسكوا بدينه أن ينصرهم ويمكن لهم في الأرض، لكن التقصير حصل، وما دام قد حصل فما العلاج؟ هل العلاج أن يكفر الناس ب