للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظيم خطر نزعات التكفير]

المسألة الأخرى: خطورة نزعات التكفير قبل التكفير، ولذلك أرى أن طلاب العلم يجب عليهم أن يهتموا بالأشياء الممهدة للتكفير ويعالجوها قبل أن توصل إلى التكفير؛ لأن الغالب أن ظواهر ونزعات التكفير إذا لم تعالج قبل وصول أهلها للتكفير فإنه يصعب علاجهم بعد ذلك بحسب التجربة قديماً وحديثاً، فمن وصل إلى التكفير الخالص فإنه في الغالب يصعب علاجه، لا يمكن إقناعه إلا في حالات نادرة جداً، أما الذين يمر عليهم الكلام بدون اقتناع، وربما يتأثرون بعض التأثر، فمسألتهم مسألة ظواهر تعالج.

فلذلك أقول: إنه ينبغي أن نحذر ونُحذِّر ونتنبه للنزعات الأولى الممهدة للتكفير، ومن هذه النزعات التشدد والشدة في الكلام في الولاء والبراء إلى حد يوقع الناس في الحرج مع آبائهم وأقاربهم، ومع شيوخهم وزملائهم، ومع المسئولين وأهل الرأي والمشورة فيهم، ومع كبار القوم وذوي الهيئات إلى آخره، فإذا وجدت الشدة إلى حد يخرج عن الحد الشرعي المعروف عند أهل العلم؛ فاعرف أن هذه نزعة يخشى منها أن تصل إلى التكفير، فيجب أن تعالج، فالبراء والولاء أمر شرعي، لكن له ضوابطه وموازينه، فينبغي أن يرجع فيه إلى أهل الفقه الراسخين، خاصة إذا انبثق عنه مواقف وتعامل، فقد تجد بعض الناس قد هجر عمه أو خاله أو قريبه، فتسأله: لماذا؟ فيقول: في بيته كذا من المعاصي، وعنده كذا من التقصير، وليست تلك مكفرات، ولكن تجده أنه عامله معاملة الكافر، أو قريباً من معاملة الكافر، فلا يأكل ذبائحه، ولا يجيب دعوته الواجبة، وقد لا يشارك في الأمور الواجبة له شرعاً، وهذا ناتج عن شدة القول بالبراءة.

وبعض الناس تجده يعد أصدقاءه على الأصابع، والبقية يتبرأ منهم، ويقول: ما أجد على الدين الصحيح إلا فلاناً وفلاناً! وهذا ليس صحيحاً، فإن الصالحين كثيرون، فإذا وجد تشدد في الولاء تضيق دائرة الولاء إلى حد غريب لا يعرفه أهل العلم وأهل الاستقامة.