للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قول أهل السنة والجماعة]

أولاً: قول أهل السنة والجماعة: وهو أن مرتكب الكبيرة ما دام مصراً على كبيرته في الدنيا فإنه يبقى فيه أصل الإيمان، لكنه فاسق بكبيرته، وقد يسمى بحسب عمله، قد يسمى ظالماً، وقد يسمى فاجراً، وقد يسمى فاسقاً، وقد يسمى عاصياً، وقد يطلق عليه وصف النفاق إذا كانت فيه خصلة من خصال النفاق، لكن ليس المقصود به النفاق المطلق، فيقال: فيه نفاق، فيه جاهلية إلى آخره، ويسمى مبتدعاً إذا كانت معصيته بدعة، لكن يبقى فيه مسمى الإيمان وأصل الإيمان، فيسمى مؤمناً ويعامل معاملة أهل القبلة إلا لمصلحة راجحة فيهجر ليتوب، أو ليكف فساده عن الناس، ويقام الحد عليه في الدنيا، كل هذه الأمور لا تمنع من كونه مؤمناً، ولا تمنع أن يكون من أهل القبلة وأن تجرى عليه أحكام أهل القبلة في الجملة، وحجبه عن بعض حقوق أهل القبلة لا يعني أنه خرج منهم، فقد لا يصلي عليه بعض أهل العلم، ولا يعني ذلك أنه ليس بمسلم، وقد لا يحضر جنازته، وقد لا يعوده في أثناء مرضه، لكن هذا لمصلحة، ولا يعني أنه ليس بمسلم، وهذه من الأمور التي اشتبهت على كثير من صغار طلاب العلم؛ يأخذون بعض مواقف السلف تجاه المبتدعة أو تجاه أهل الكبائر أو الظالمين أو نحوهم، فيظنون أن هذا يعني الحكم عليهم بالكفر أو نحو الكفر، أو أنهم يحرمون من حقوقهم التي ثبتت لهم بالإسلام، والحال أن هؤلاء لهم حكم تفصيلي، فلابد من اعتبار المصالح ودرء المفاسد فيهم، ومعرفة حكم السلف على الشخص وإن عاملوه معاملة قاسية؛ فالسلف قد يهجرون المبتدع، قد يهجرون الفاسق والفاجر، قد يقيمون عليه الحد في الدنيا، قد يصفونه بالفسق والفجور، قد يتركون بعض حقوقه من الصلة أو الزيارة عند المرض أو الصلاة عليه أو حضور جنازته، أو حضور وليمته أو نحو ذلك، قد يفعل هذا كثير من أئمة الدين، وهذا نوع من الهجر لمصلحة، ولكن لا يعني الحكم عليه بأنه ليس بمسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في حق بعض موتى الصحابة: (صلوا على صاحبكم)، وكذلك فعل بعض السلف، فهذا ما يتعلق بحكم مرتكب الكبيرة في الدنيا عند أهل السنة.

أما في الآخرة فإن مرتكب الكبيرة إذا مات مصراً على كبيرته فإنه تحت مشيئة الله عز وجل: إن شاء غفر له، وأسباب الغفران كثيرة جداً، وأحياناً يغفر الله للعبد بغير سبب منه، بل برحمة الله عز وجل ولطفه بعبده، وإن شاء عذبه في النار، وإن عذبه الله عز وجل فلابد أن يخرج منها بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي الشفاعة لأهل الكبائر من أمته، وقد ضمنها الله له يوم القيامة، أو بشفاعة الشافعين الآخرين، كشفاعة الأنبياء، وشفاعة الرسل، وشفاعة الصالحين، وشفاعة الشهداء على القول بأن حديث شفاعة الشهداء صحيح، وشفاعة القرآن، وشفاعة الصيام، وشفاعة أطفال المسلمين إذا ماتوا قبل البلوغ واحتسبهم أهلهم عند الله عز وجل، كل هذه من أسباب خروج أهل الكبائر من النار، ثم برحمة الله عز وجل قبل ذلك وبعده.

أما الفرق فقد اختلفت اختلافاً كثيراً في مصير أهل الكبائر في الآخرة نوجزه على النحو الآتي: