قال:[لقد بارك الله في جهاد ابن تيمية رحمه الله، فجعل له أثراً صالحاً باقياً ماثلاً في مدرسة علمية وفكرية متكاملة لها منهجها وأسلوبها وطابعها.
فمن هذا الأثر تلاميذه وفي مقدمتهم شيخ الإسلام ابن قيم الجوزية.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: فالواجب على من تلبس بالعلم وكان له عقل أن يتأمل كلام الرجل من تصانيفه المشهورة، أو من ألسنة من يوثق به من أهل النقل، ولو لم يكن للشيخ تقي الدين إلا تلميذه الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صاحب التصانيف النافعة السائرة التي انتفع بها الموافق والمخالف؛ لكان غاية في الدلالة على عظم منزلته.
وقال شيخ الإسلام التفهني الحنفي: والإنسان إذا لم يخالط ولم يعاشر يستدل على أحواله وأوصافه بآثاره، ولو لم يكن من آثاره -أي: ابن تيمية - إلا ما اتصف به تلميذه ابن قيم الجوزية من العلم لكفى ذلك دليلاً على ما قلناه.
ومن هذا الأثر كتبه الكثيرة العدد النفيسة القيمة الواسعة الانتشار.
ومن هذا الأثر ثناء المؤمنين عليه في كل زمان ومكان].
مما هو معروف عند أئمة السلف أن الطعن في أئمة الدين الكبار إنما هو من علامات أهل البدع، ولا يعني ذلك أن أئمة الدين الكبار معصومون كل العصمة، لكنهم يمثلون القدوة للأمة، والطعن فيهم على سبيل اللمز أو على سبيل الطعن فيما جاء عنهم أو التهكم إنما هو طعن في مذاهب السلف وفي سبيل الأمة أو الجماعة، فمثلاً: الطعن في الإمام أحمد رحمه الله من علامات أهل البدع أياً كان هذا الطعن، ولا يتصور أن يكون الطعن طعناً مباشراً، فأغلب الذين يتعرضون للأئمة الكبار يتعرضون لهم بتلبيس من الكلم، بمعنى أنا نجد أن أحدهم قد يثني على مثل الإمام أحمد فيقول: وهو إمام في الدين، وله كذا وكذا، لكنه في قوله بالصفات ذهب إلى مذهب الحشوية أو إلى مذهب كذا، فيثني ثم يلمز، وهذه من علامات أهل البدع، لا يجرئون على الطعن في الجملة في أئمة الدين أو في الإمام الواحد، إنما يثنون ثم يلمزون، ومثله الإمام البخاري والإمام مسلم أو ابن تيمية أو ابن القيم أو غيرهم من الأئمة الذين رضي أهل السنة والجماعة في الجملة هديهم وما جاءوا به وما هم عليه، وكونهم يخطئون في بعض الأمور أمر يجب أن نقول به، بمعنى أنهم قد يخطئون في بعض الأمور؛ لأنه لا يمكن أن يكونوا معصومين، إلا أن ما يقع منهم من خطأ لا يوصل إلى الطعن فيهم، هذا أمر.
والأمر الآخر: أنهم بإمامتهم وجلالتهم قدوة المسلمين، واستهداف أشخاصهم إنما هو استهداف للقدوة، ثم هو استهداف للدين.
والأمر الثالث: أن هناك فرقاً بين الطعن وبين النقاش، فيجوز لمن آتاه الله علماً أن يقول: أرى أن فلاناً من الأئمة لم يقصد كذا، أو: عذره في الأمر الفلاني كذا، أو: إن الدليل هو كذا، ولا يطعن في الشخص، أما إذا طعن في إمام من الأئمة فهذا علامة ابتداع، ولا يزال من أبرز علامات المبتدعة الطعن في مثل شيخ الإسلام ابن تيمية والإمام أحمد وغيرهما، وكذلك اللمز والطعن غير المباشر، كما هو موجود في بعض الاتجاهات الحديثة عند المتكلمين.