للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان مذهب المعتزلة فيما تثبت به النبوة]

فدلائل نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم كثيرة، وكلها تثبت صدق نبوته، وليست هي المعجزات فحسب كما قال المعتزلة وبعض أهل الكلام الذين قالوا بأن النبوة لا تثبت إلا بالمعجزة، وأهل السنة قالوا: النبوة تثبت بالقرائن والمعجزات، وثمرة هذا الخلاف تظهر على جزئيات بعض المباحث في العقيدة فقط، فالإيمان بالنبوات والرسالات واحد عند الجميع، سواءٌ الذين اعترفوا بأن القرائن دالة على النبوة والذين لم يعترفوا، كلهم قولهم في النبيين في الجملة واحد، لكن انعكس الخلاف في بعض المسائل الأخرى، فمثلاً: المعتزلة أنكروا كرامات الأولياء، بناءً على قاعدتهم في أن الخارق لا يحدث إلا لنبي، فأنكروا أن يكون للأولياء كرامات، وإنكار الكرامات قدح في الشرع وقدح في العقل وقدح أيضاً في الناس أنفسهم، فالناس يدركون الكرامات ويدركون ما يحدث لأولياء الله تعالى من خوارق هي من باب الكرامات.

فالمعتزلة -بناءً على قولهم لأجل أن تسلم قاعدتهم أنه لا يكون خارق إلا لنبي- ادعوا أنه ليس هناك شيء اسمه كرامات الأولياء، وينبني على هذا قيمة الوحي عندهم، فإذا عولوا على أنه لا يتم الإيمان بالرسل إلا بالمعجزة انعكس هذا على مسألة في القرآن، فإن المعتزلة قالوا بأن القرآن مخلوق، وإذا كان مخلوقاً فهذا يعني أنه ضعيف؛ إذ لا يتم الإعجاز من خلال مخلوق، فيبطل إعجاز القرآن بقولهم: إنه مخلوق، فإذا بطل إعجاز القرآن بطلت دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يوجد بعده منها شيء.

فالذين يولدون بعد انقضاء حياة النبي صلى الله عليه وسلم لا يجدون من معجزاته إلا القرآن، فمن قال بخلق القرآن ألغى إعجاز القرآن، ومن ألغى إعجاز القرآن فقد ألغى المعجزة، وإذا التغت المعجزة كان الناس في حل من أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أو لا يؤمنوا.

وهكذا نجد للمسألة فروعاً كثيرة خطيرة لا يتسع الوقت لإحصائها.