نعود هنا إلى بيان المصطلحات؛ لأنها ستكون مثار أمثلة في أكثر المقاطع التي ستأتي.
قوله:(وتعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات).
هذا متعلق بما أطلقه أهل الأهواء في زمن المؤلف رحمه الله، وهو الطحاوي صاحب الأصل، ثم إن هذه المصطلحات تتعلق بما اشتهر من كلمات في عهده في نهاية القرن الثالث وبداية القرن الرابع، ثم أضاف إليها الذين جاءوا بعد من أهل الكلام في القرن الخامس والسادس عبارات جديدة، فلعلنا نقف عند مفاهيم هذه العبارات وقفة لتكون قاعدة لما سيأتي من أمثلة وموازين على ضوء ما ذكر الشيخ.
فقوله:(وتعالى عن الحدود والغايات)، يقصد أن الله عز وجل منزه عن أن يحد بأي نوع من الحدود الزمنية، والحدود المكانية، والكيفية، والعمق، والمسافة، ونحو ذلك، كل هذا يسمى حدوداً.
وكذلك الغايات، أي: النهايات، والنهاية تدل على ما ذكرته، والحدود والغايات بينهما ترابط، فإن القول بالحدود يلزم منه القول بالغايات، فبين العبارتين نوع ترادف، وهذه العبارات التي جاءت لم يكن السلف يتكلمون بها، بل كانوا يبدعون من قالها، لكن لما قيلت احتملت معنيين كما سيأتي في الشرح، فالمعنى المتبادر للأذهان هو الذي نفاه الشيخ، فالشيخ هنا قرر ما تقتضيه الفطرة كعادة السلف في ذلك الوقت قبل أن يكثر تشقيق هذه العبارات والتفصيل فيها إلى حد يحتاج إلى مزيد بيان.
فمن البدهي أن الله عز وجل منزه عن الحدود المعلومة في عالم الشهادة، ومنزه عن الغايات المعلومة في عالم الشهادة، لكن لا يعني ذلك أنه تعالى منزه عن الكمال الذي يسميه أهل الأهواء حدوداً وغايات، فلله عز وجل من صفات الكمال، ولله عز وجل من الأسماء والأفعال ما سماه أهل البدع حدوداً وغايات من أجل أن ينفروا فطر الناس من العقيدة السليمة، فمن هنا ينبغي التنبه إلى هذا المعنى الذي سيأتي تفصيله.