للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفاوت درجات الولاية]

قال رحمه الله تعالى: [والولاية أيضاً نظير الإيمان]: هنا سيقرر مسألة مهمة جداً يغفل عنها كثير من الناس، ويمكن أن نضع لها عنواناً، وهو: ثبوت أصل الولاية لكل مؤمن وتفاوت مقدارها، وهذا في أنواع الولاية الثلاثة، وأنواع الولاية الثلاثة كلها أصلها ثابت للمؤمنين والمسلمين عموماً، لكنها تتفاوت في مقدارها بين شخص وآخر بحسب ما عنده من التقوى والعمل الصالح، فمنها ما يكون ولاية كاملة، سواء من العبد لربه أو من الرب لعبده أو من المؤمن للمؤمن، فالمؤمن المتقي الصالح له الولاية الكاملة من الله عز وجل بحسب حاله، وله الولاية من المؤمنين الكاملة، وكذلك هو يتولى الله عز وجل بقدر ما يستطيع، أي: استنفذ جهده في ولايته لربه.

إذاً: فمن هنا يقرر ثبوت الولاية لكل مؤمن بدرجاتها الثلاث، وتفاوت مقدراها أيضاً بدرجاتها الثلاث؛ لأن هناك من يكون له جزء من الولاية، وهناك من يكون أمره بين الولاية والعداوة، وهناك من يكون إلى الولاية الكاملة أكثر وأقرب، بحسب أعمالهم القلبية وأعمال الجوارح.

قال رحمه الله تعالى: [والولاية أيضاً نظير الإيمان، فيكون مراد الشيخ: أن أهلها في أصلها سواء، وتكون كاملة وناقصة، فالكاملة تكون للمؤمنين المتقين، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس:٦٢ - ٦٤]، فـ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:٦٣] منصوب على أنه صفة (أولياء الله) أو بدل منه، أو بإضمار (أمدح)، أو مرفوع بإضمار (هم)، أو خبر ثان لـ (إن)، وأجيز فيه الجر بدلاً من ضمير عليهم.

وعلى هذه الوجوه كلها فالولاية لمن كان من الذين آمنوا وكانوا يتقون، وهم أهل الوعد المذكور في الآيات الثلاث، وهي عبارة عن موافقة الولي الحميد في محابه ومساخطه، ليست بكثرة صوم ولا صلاة ولا تملق ولا رياضة.

وقيل (الذين آمنوا) مبتدأ، والخبر: (لهم البشرى) وهو بعيد].

هنا يشير بهذا إلى طائفتين: إلى طائفة الخوارج الذين تشددوا في الدين وتنطعوا في مواصلة الصوم وفي كثرة الصلاة إلى حد يزيد على المشروع، وظنوا أن ذلك مقتضى الولاية، في حين أنهم خالفوا السنة وأمثالهم ممن تابعهم، فكثير من العباد والنساك بالغوا في العبادة حتى صارت منهاجهم هي أصول التصوف البدعي فيما بعد.

كما أنه يرد على فريق آخر، وهم الصوفية الذين يكتفون من معاني التقوى والعمل الصالح بالشكليات، إما بالرياضة النفسية والتحنث وكثرة التأمل والتفكير مع قلة الأعمال الصالحات، وأحياناً يتركون الأعمال، وإما بالتعبد والتحنث والانتقاء والسياحة الهائمة في الأرض بغير قصد، والإقامة في الزوايا والدويرات دون إسهام في الأعمال الصالحة من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشهود الجمعة والجماعات، وإما بالأشكال، فيلبسون الخرق الممزقة والثياب البالية، ويزعمون أن هذا هو مظهر التقوى، وأنه كاف في تحقيق الولاية! فهذه الأصناف كلها موجودة في الأمة، وكلها أخطأت معنى الولاية، وإلا فلا شك أن من أهم أمور الولاية القيام بحق الله عز وجل في الصوم والصلاة، ثم القيام بالنوافل في حدود المشروع من الصوم والصلاة ونحوهما من الأعمال الصالحة.

قال رحمه الله تعالى: [وقيل: (الذين آمنوا)، مبتدأ، والخبر: (لهم البشرى)، وهو بعيد؛ لقطع الجملة عما قبلها وانتثار نظم الآية].