للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تنازع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقد تنازع العلماء في حقيقة السحر وأنواعه، والأكثرون يقولون: إنه قد يؤثر في موت المسحور ومرضه من غير وصول شيء ظاهر إليه، وزعم بعضهم أنه مجرد تخييل].

هذه المسألة سبق الإشارة إليها، وذكرنا أن السحر منه ما هو تخييلي، ومنه ما هو حقيقي، يؤثر تأثيراً مادياً محسوساً، ومنه ما يجمع بين الأمرين وهو الغالب، أغلب أنواع السحر يكون تخييلياً مبنياً على أشياء مادية يضعها الساحر، وأحياناً يكون مجرد تخييل، لكنه سحر، وأحياناً يكون مادياً بحتاً، بمعنى أنه مادة منظورة مشهودة مؤثرة، تحس بالحواس.

إذاً: فالتنازع في الحقيقة لا محل له هنا، وكما ذكر جمهور أهل السنة على أن السحر ينقسم إلى نوعين: منه ما هو تخييلي، ومنه ما هو حقيقي، والتخييلي أحياناً ينبني على الحقيقي، وكذلك العكس.

قال رحمه الله تعالى: [واتفقوا كلهم على أن ما كان من جنس دعوة الكواكب السبعة أو غيرها، أو خطابها، أو السجود لها، والتقرب إليها بما يناسبها من اللباس والخواتم والبخور ونحو ذلك؛ فإنه كفر، وهو من أعظم أبواب الشرك، فيجب غلقه، بل سده، وهو من جنس فعل قوم إبراهيم عليه السلام، ولهذا حكى الله عنه بقوله: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:٨٨ - ٨٩].

وقال تعالى: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام:٧٦] الآيات، إلى قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].

واتفقوا كلهم أيضاً على أن كل رقية وتعزيم، أو قَسَم فيه شرك بالله، فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته به الجن أو غيرهم، وكذلك كل كلام فيه كفر لا يجوز التكلم به، وكذلك الكلام الذي لا يعرف معناه لا يتكلم به، لإمكان أن يكون فيه شرك لا يعرف، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً)].

مسألة الرقية موضوعها موضوع مستقل؛ لكن نظراً لأن المؤلف أشار إلى مسألة الرقية، وهي من الأمور التي يتحدث فيها الناس كثيراً الآن، ويكثر فيها اللغط، ويكثر فيها الكلام إلى حد شوش على عامة المسلمين.

نقول: الأصل في الرقية الجواز، والأصل في الرقية أنها تجوز بكل مباح من الألفاظ والعبارات الصحيحة السليمة، وأفضل الرقية الرقية بكتاب الله عز وجل، وأيضاً بألفاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل: قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، اللهم لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً) ونحو هذا من العبارات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم بعد ذلك يجوز الرقية بأي لفظ صحيح يكون فيه الدعاء لله عز وجل، ولا يكون فيه شرك ولا غموض، ولذلك عندما كان بعض الصحابة يرقون برقىً كانوا يرقون بها في الجاهلية قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعرضوا علي رقاكم) فأعطاهم قاعدة فيها وقال: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركاً).

وهناك نصوص قد تدل على تخصيص الرقية بأشياء معينة أو بأمراض معينة، كتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم الرقية مثلاً بالعين والحمى، كما ورد في أكثر من لفظ، فهذا لا يعني أن غيرهما لا يجوز الرقية فيه، لكن هذا محمول على أن أفضل الرقى وأبلغها تأثيراً في هذين الأمرين، أو أنه من باب الخبر؛ للتأكيد على أن أبلغ أنواع الرقية هو هذا النوع، وإلا فما دام قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الإذن العام، فتخصيص الرقية بشيء معين لا بد أن يحمل على معنىً آخر؛ لئلا يؤدي هذا إلى نقض الأحاديث، وهذا لا يمكن أن يكون.

فإذاً: الأصل في الرقية الجواز إذا كانت بالقرآن أو بالسنة، أو بأدعية صحيحة مشروعة، وبألفاظ بينة ذات معنى مقر شرعاً، وليس فيها ألغاز ولا طلاسم ولا إسرار، بعض الناس يسر بالرقية؛ ليوهم الحاضرين بأن عنده أشياء ليست عندهم، فهذا نوع من الدجل، ومن مكائد الشيطان على الإنسان، فيبقى جنس الرقية جائز ما دامت بالضوابط الشرعية، وما ينضاف إلى الرقية من أمور فيحكم على الرقية من خلاله، بحسب ما يرد من الناس من زيادات وإشكالات؛ لأن من مداخل الشيطان على الناس أن أغلب الرقاة يضيفون على الرقية أشياء تأتيهم أحياناً بدون ما يشعرون، من خلال عبث الجن بهم، كحركات وصور وأشكال وأنماط من المؤثرات ونحو ذلك مما تنضاف إلى الرقية، وهذا من الباطل الذي ينبغي نفيه.

أما الأمور الشرعية المعلومة التي ليس فيها لبس، سواء من الأعمال أو الألفاظ فلا حرج أن تكون من الرقى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منع من الرقية ما كان شركاً فقط، وما كان سحراً ونحو ذلك.