للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بيان اتصاف الله بكونه رباً وخالقاً قبل وجود المربوب المخلوق

قال رحمه الله تعالى: [قوله: (له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق).

يعني: أن الله تعالى موصوف بأنه (الرب) قبل أن يوجد مربوب، وموصوف بأنه (خالق) قبل أن يوجد مخلوق، قال بعض المشايخ الشارحين: وإنما قال: له معنى الربوبية ومعنى الخالق دون (الخالقية)؛ لأن (الخالق) هو المخرج للشيء من العدم إلى الوجود لا غير، و (الرب) يقتضي معاني كثيرة، وهي: الملك والحفظ والتدبير والتربية، وهي تبليغ الشيء كماله بالتدريج، فلا جرم أتى بلفظ يشمل هذه المعاني، وهو الربوبية.

انتهى.

وفيه نظر؛ لأن الخلق يكون بمعنى التقدير أيضاً].

التفريق بين العبارتين فيه شيء من التكلف، وإن كان الإمام الطحاوي رحمه الله قد يكون راعى أموراً في تعبيره عن الربوبية بالمصدر وعن الخالق باسم الفاعل، ولعل من هذه الأمور: أن الربوبية أشمل معنى، لا على نحو ما ذكره الشارح لكنها (أشمل)؛ لأنها تشمل الخلق وزيادة.

وهناك معنى آخر، وهو أن مسألة الربوبية قد يختلط مفهومها عند الناس، بمعنى أنهم قد يزعمون الربوبية أو شيئاً من بعض خصائص الربوبية لغير الله.

فلذلك جاء بلفظ المصدر ليعم، أما مسألة الخلق فليس هناك من يزعم من الأمم الضالة أن الخالق غير الله، وإن نسبوا بعض الخلق إلى غير الله فإنهم مع ذلك يعترفون بأن الخالق الأول والخالق القادر الباقي سبحانه وتعالى هو الله سبحانه وتعالى.

فعبر بلفظ (الربوبية) ولم يقل: الرب؛ ليزيل ما في ذلك من مفهوم كثير من الذين ضلوا بأن أعطوا بعض الخلق شيئاً من خصائص الربوبية، فحصر الربوبية كلها لله سبحانه وتعالى، أما الخلق فالناس معترفون بأنه وحده الخالق.

قال رحمه الله تعالى: [قوله: (وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم): يعني: أنه سبحانه وتعالى موصوف بأنه (محيي الموتى) قبل إحيائهم، فكذلك يوصف بأنه (خالق) قبل خلقهم، إلزاماً للمعتزلة ومن قال بقولهم، كما حكينا عنهم فيما تقدم، وتقدم تقرير أنه تعالى لم يزل يفعل ما يشاء].