للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان ما ينفى عن الله عز وجل من الصفات وما لا يجوز نفيه منها]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [قوله: (ولا شيء مثله): اتفق أهل السنة على أن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ولكن لفظ التشبيه قد صار في كلام الناس لفظاً مجملاً يراد به المعنى الصحيح، وهو ما نفاه القرآن، ودل عليه العقل من أن خصائص الرب تعالى لا يوصف بها شيء من المخلوقات، ولا يماثله شيء من المخلوقات في شيء من صفاته: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] رد على الممثلة المشبهة، {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، رد على النفاة المعطلة، فمن جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق، فهو المشبه المبطل المذموم، ومن جعل صفات المخلوق مثل صفات الخالق، فهو نظير النصارى في كفرهم].

من جعل صفات الخالق مثل صفات المخلوق فهو المشبه المبطل المذموم، وهو نظير اليهود -كذلك- في كفرهم وفي تشبيههم لله بخلقه؛ لأن اليهود حينما حرفوا التوراة وضعوا فيها اعتقادهم في تشبيه الله تعالى بخلقه، فزعموا أن الله سبحانه وتعالى له أعضاء كأعضاء المخلوقات، وأنه ينزل إلى الأرض ويصارع ويتحداهم ويتحدونه، تعالى الله عما يزعمون.

فلذلك نجد التشبيه حينما ظهر في الأمة في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري ظهر على أيدي الرافضة الذين هم ورثة اليهود، فالرافضة ورثوا كثيراً من عقائد اليهود كما هو معروف عند المحققين، ومن ذلك التشبيه، فالمشبهة الأوائل المجسمة كـ هشام بن الحكم وداود الجواربي وهشام بن سالم الجواليقي وغيرهم كلهم رافضة، بل التشبيه الشنيع الذي كفر أهل السنة من قال به أغلبه في فرق الرافضة الأولى.

قال رحمه الله تعالى: [ويراد به أنه لا يثبت لله شيء من الصفات، فلا يقال: له قدرة، ولا علم، ولا حياة؛ لأن العبد موصوف بهذه الصفات! ولازم هذا القول أنه لا يقال له: حي، عليم، قدير؛ لأن العبد يسمى بهذه الأسماء، وكذا كلامه وسمعه وبصره ورؤيته وغير ذلك].

هو بهذا يريد أن يقرب مسألة بناها على قاعدة نفي التشبيه؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فهو أولاً أراد أن يبين معنى نفي التشبيه هنا، وما حدث عند المتكلمين والنفاة من اللبس والتلبيس في معنى التشبيه، فقاعدة: (ليس كمثله شيء) تعني أن الله سبحانه وتعالى تثبت له الصفات، لكن على غير صفات المخلوقين؛ لأن الله قال في الآية نفسها: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فالآية تضمنت قاعدتين متوازنتين ترد كل واحدة إلى الأخرى، ولا بد من رد كل واحدة إلى الأخرى.

لكن أصحاب الأهواء انقسموا في هذا الأمر إلى قسمين، وأهل السنة وسط بين الفريقين، فأخذوا بالحق، حيث أخذوا بقاعدة: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقاعدة: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)، قاعدة نفي المشابهة وقاعدة الإثبات، والله سبحانه وتعالى بدأ بنفي المشابهة قبل الإثبات لئلا يستقر في ذهن السامع لصفات الله تعالى ما يتخيله من المعاني التي لا يعرفها إلا في عالم الشهادة، فنظراً لأن الإنسان إذا سمع: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ينطبع في ذهنه ما يشهده وما يعلمه من السمع والبصر؛ فكأن الله أراد أن ينفي المشابهة قبل الانطباع في الذهن، فما ينطبع في الذهن منفي عن الله؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فحقيقة صفات الله تعالى تثبت والمشابهة منفية قطعاً، فلذلك بدأ بنفي التشبيه لئلا يستقر في الذهن ما يتخيله الإنسان عندما يسمع اللفظ، فلذلك أهل السنة سلمت عقيدتهم، أما أهل الأهواء فانقسموا إلى قسمين: قسم وقف عند الشق الأول، فقال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) فظن أن إثبات الصفات مماثلة، فنفى الصفات، وطائفة أخرى وقفت عند: (وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) وقالوا: لا نعرف إلا السمع بالأذن والبصر بالعين، إذاً: فالله جسم كالأجسام.

تعالى الله عما يزعمون علواً كبيراً.