للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان وجه الرد على المتكلمين في استدلالهم بقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)]

السؤال

يذكر في الرد على المتكلمين في استدلالهم بقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢] أن هذا إنما هو بعد وجودهما، وأنه لو كان فيهما بعد وجودهما آلهة إلا الله لفسدتا، فأرجو بيان هذا الرد؟

الجواب

يقول الشارح: إن قوله تعالى: {لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢] دليل على أن الفساد بعد الوجود، وأن الموجد واحد، ولم يرد في الآية أن الموجد أكثر من واحد، إنما افترض فيها ما جادل فيه المشركون من أن المعبود أكثر من واحد، وهذا ما أراد أن يصل إليه، فقوله: (لفسدتا) يعني: السماوات والأرض، فالآية: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢]، دليل على أنهما موجودتان من قبل، وأن وجود الإله الثاني طارئ، والإله الأول هو الخالق وهو الذي أوجد، فكأنه يقول: الفساد لابد من أن يكون بعد وجود، ولا يكون الفساد في العدم؛ لأن العدم غير قابل للفساد، فكأنه يقرر بذلك أن الوجود متقرر عقلاً وليس فيه جدال، إنما الجدال في وجود إلهين فقط، والإلهين يراد بهما المعبودان.

فالآية تقرر أمراً بعد الوجود؛ بدليل قوله: {لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢]؛ لأن الفساد لا يكون إلا للموجود، ولو كانت الآية تقرر الوجود ابتداء من العدم؛ فإن المعدوم لا يقبل أن يوصف بالفساد ولا بغير الفساد؛ لأن الفاسد هو الموجود الذي يقبل الفساد بعد الصلاح، فكأن قوله: (لفسدتا) يعني أن وجودهما من خالق واحد ليس محل نقاش ولا جدال، إنما الجدال والنقاش في أن يكون للمخلوقات مدبران أو إلهان، وهذا لا يتأتى بعد الوجود، فإن الموجد الأول لابد من أن يكون هو المدبر، ولو كان هناك من يدبر غير الله سبحانه وتعالى لاختلفا في التدبير وفسدت السماوات والأرض، والفساد لا يكون إلا بعد الوجود، والوجود لا يكون إلا بموجد واحد، ومادام الموجد واحداً فالمتصرف واحد؛ لأنه لو كان معه متصرف آخر لفسدت السماوات والأرض، ومادام أن الموجد واحد والمتصرف واحد؛ فالمستحق للعبادة واحد، وهو الواحد سبحانه.