للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجه الإفساد الكائن من ملوك الجور وأحبار السوء وأصحاب الذوق والوجد]

قال رحمه الله تعالى: [فقال الأولون: إذا تعارضت السياسة والشرع قدمنا السياسة! وقال الآخرون: إذا تعارض العقل والنقل قدمنا العقل! وقال أصحاب الذوق: إذا تعارض الذوق والكشف وظاهر الشرع قدمنا الذوق والكشف].

هذه قواعد لهؤلاء تعتبر فعلاً خلاصة مناهجهم، وقد ذكر الشارح رحمه الله هنا بأسلوب بين جلي وفي إيجاز بالغ مناهج هذه الأصناف الثلاثة، فالأولون أصحاب السياسات الجائرة قد يدعون أنهم يحكمون بشرع الله عز وجل، لكن إذا تعارضت السياسة مع الشرع قدموا السياسة، وهذا أمر واقع فيه أكثر السلاطين الجورة قديماً وحديثاً، خاصة في عصرنا، فإن أغلب الأمة الإسلامية تحكمها أنظمة وتحكمها سياسات تأخذ بهذا المبدأ، وإن اعترف بعضها بالإسلام فإنما يأخذ بهذا المبدأ، وهو مبدأ تقديم السياسة وما يسمونه بمصالح البلد والوطن، وما يسمونه بمصالح الدولة أو بمسايرة الأمم أو بمسايرة أحوال الناس إلى آخره ويقدمونه على الدين وعلى الشرع.

فهذه قاعدة عند الساسة الجورة الذين لا يأخذون بدين الله عز وجل ولا يحكمون شرع الله إلى اليوم، بل هي اليوم قاعدة واسعة أكثر من ذي قبل، فإذا كان هذا الكلام كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام ابن القيم ثم أخذه ابن أبي العز في ذلك الوقت؛ فكيف بوقتنا هذا.

والصنف الآخر: الذين يقوم منهجهم على اعتماد العقل مصدراً من مصادر التلقي، فإذا تعارض مع الشرع أخذوا بالعقل وجعلوا الشرع محكوماً عليه بأحكام العقل الناقص المحدود.

والفئة الثالثة: أصحاب الذوق الذين هم المتصوفة ومن نحا نحوهم كما ذكرنا، فإنهم أدخلوا في مصادر الدين ما لم يشرع، فأفسدوا الدين بهذه المصادر، وهذه المصادر هي الذوق والكشف ونحو ذلك من المصادر التي زعموا أنها تكون هي المرجع عندما تأتيهم النصوص أو الآثار عن السلف، بل إنهم قد لا يعملون بالنصوص الشرعية من الكتاب والسنة، ويعملون بما يقول به شيوخهم وما يقول به سادتهم ومن يسمونهم بالأولياء حينما يهذون بهذيان قد يفسد الدين والدنيا، والعجيب أن المتصوفة حتى اليوم لا يناقشون ما يصدر عن شيوخهم، سواء كان حقاً أو باطلاً، بل ينفذونه مهما كان، حتى لو كان يتضمن الأمر بالفواحش فعلوه وتأولوا، وإذا جاءتهم الآيات لووا أعناقها وصرفوها إما برد وإما بتأول وإما بدعوى أن لها مفهوماً يرجعون فيه إلى شيوخهم.

وكذلك إذا جاءتهم الأحاديث وآثار السلف وقفوا منها هذا الموقف، فإما أن يردوا الأحاديث والآثار، وإما أن يؤولوها، وإما أن يرجعوها إلى شيوخهم ويقولون: لا نعمل بهذا الحديث أو الآية حتى نرجع إلى الشيوخ، فيكون المعول عندهم على الذوق والكشف، والذوق يتضمن أشياء كثيرة، والكشف يتضمن أشياء كثيرة، منها: الرؤى والأحلام، ومنها الهذيان عند الرقص وما يسمونه بالسماع، حتى إن بعضهم يأخذ بهذيان المخبولين، فبعض الناس يكون عندهم شيء من ضعف العقول، وهم عقلاء المجانيين أو مجانيين العقلاء، الذين عندهم نوع من الهلوسة، فهؤلاء عند الصوفية لهم خصيصة، ويزعمون أنهم لا يتكلمون إلا بحق ولا يقولون إلا حقاً، وفي مصر وفي بعض مناطق السودان يسمونهم المجاذيب، وهم أناس فيهم نوع من الجنون أو نوع من خفة العقل، فهؤلاء يتعلقون بهم ويقدسونهم فالمهم أن هؤلاء يعطون الرجال من القدر والاعتبار أكثر مما يعطون الشرع.