للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاتفاق على عدم رؤية أحد ربه في الدنيا وذكر الخلاف في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم]

قال رحمه الله تعالى: [واتفقت الأمة على أنه لا يراه أحد في الدنيا بعينه].

هذا هو قول جمهور السلف لم يخالف فيه أحد منهم، لكن في القرن الرابع وما بعده ظهرت طوائف من ضلال المتصوفة، وضلال الفلاسفة والباطنية يزعمون لبعض شيوخهم أنهم يرون ربهم رؤية عينية، وهذا باطل، فالسلف قد اتفقوا بإجماع على أنه لا أحد يرى ربه في الدنيا بعينه، وما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم في المعراج على تقدير أنه رآه بعينه على الرأي المرجوح؛ فإن هذا يعد استثناءً، وهو خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز لأحد غيره بعده ولا قبله.

إذاً: فهذا الإجماع شذ عنه طائفة من المتصوفة، وطائفة من الفلاسفة، وطائفة من الباطنية.

قال رحمه الله تعالى: [ولم يتنازعوا في ذلك إلا في نبينا صلى الله عليه وسلم خاصة: منهم من نفى رؤيته بالعين، ومنهم من أثبتها له صلى الله عليه وسلم.

وحكى القاضي عياض في كتابه الشفا اختلاف الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم في رؤيته صلى الله عليه وسلم].

يعني: في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه في ليلة المعراج.

قال رحمه الله تعالى: [وإنكار عائشة رضي الله عنها أن يكون صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعين رأسه، وأنها قالت لـ مسروق حين سألها: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: لقد قف شعري مما قلت، ثم قالت: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب.

ثم قال: وقال جماعة بقول عائشة رضي الله عنها، وهو المشهور عن ابن مسعود، وأبي هريرة واختلف عنه، وقال بإنكار هذا وامتناع رؤيته في الدنيا جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه)، وروى عطاء عنه: أنه رآه بقلبه.

ثم ذكر أقوالاً وفوائد، ثم قال: وأما وجوبه لنبينا صلى الله عليه وسلم والقول بأنه رآه بعينه فليس فيه قاطع ولا نص، والمعول فيه على آية النجم، والتنازع فيها مأثور، والاحتمال لها ممكن].

آية النجم ليس فيها جزم قاطع بأنه رأى ربه بعينه، بل آية النجم تؤيد الرؤية القلبية، لقوله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:١٣]، وقوله عز وجل قبل ذلك: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١]، فيفسر أحد النصين الآخر، فإذا قيل في الأولى: إن المقصود بها: أنه صلى الله عليه وسلم رأى ربه؛ فإنه يكون رأه بقلبه؛ لأن الله عز وجل قال: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١].

وإن كان بعض المفسرين يقول: ما كذب الفؤاد ما رآه بعينه، لكن ظاهر النص عند بعض المفسرين يدل على أن الرؤية رؤية قلبية: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١] يعني: ما رأى الفؤاد.

وكذلك يدفع احتمال الرؤية العينية: أن قوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:١٢] قيل: إنه في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه بقلبه، وأن قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:١٣] في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل بعينه؛ لأن قوله عز وجل: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:١٣] يدل على أن الرؤية حدثت مرتين، وهذه إنما تنطبق على رؤية جبريل.

فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل على صورته الحقيقية مرتين: المرة الأولى: حينما جاءه بالوحي في غار حراء، فقد سد عليه الأفق حتى أصيب بالرعب من منظره، ثم رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى على صورته الحقيقة.

فنظراً لهذه الاحتمالات في تفسير النصوص لا يوجد في آيات النجم ما يدل على أن الرؤية بصرية إلا دلالة بعيدة، في حين أن سياق الآيات يدل على أن الرؤية قلبية، خاصة قوله عز وجل: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم:١١].