للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الخسروشاهي لا يدري ما يعتقد]

وقال الخسروشاهي -وهو كذلك من كبارهم، ومن تلاميذ الرازي - لبعض الفضلاء من أهل العلم الذين زاروه، وقد دخل عليه يوماً، ويظهر أن الزائر ممن شرب من علم الكلام، ويظهر أنه من أهل السنة، سواء كان من عوامهم أو من متعلميهم، قال له: ما تعتقد؟ فانظر إليه عند هذه اللحظة الحرجة يسأل هذا السؤال وهو متكلم كبير يزعم أنه هو الذي يقرر حقائق الدين، ثم يسأل سؤالاً لا يسأله إلا مستريب أو جاهل أو شاك أو محتار! وهو فعلاً من المحتارين.

فمن الطبيعي أن يجيب هذا الرجل الفاضل بالجواب العادي الذي يلامس العقل السليم، فقال: ما يعتقده المسلمون، فهو يحسن الظن بالمسلمين، وأن المسلمين -إن شاء الله- كلهم على خير.

وهذا جواب حكيم، يقول: ما عندي إلا ما يعتقده المسلمون، أي: العقيدة الحقة، فقال الخسروشاهي: وأنت منشرح الصدر بذلك ومستيقن به؟! فانظر إلى حاله نسأل الله العافية! فاقد لليقين قلق مضطرب، لا يجد فيما يعتقد من الأمور الكلامية التي خاض فيها وترك بها نهج السلف ما يشفي غليله ولا ما يغرس في قلبه اليقين والثقة بالعقيدة، بحيث يلقى الله عز وجل على ثقة بدينه.

فعبر عن شكه، وقال: وأنت منشرح الصدر لذلك ومستيقن به؟! أو كما قال، فقال المسئول: نعم، فقال الخسروشاهي: اشكر الله على هذه النعمة، أي: لأنك مستيقن ما عندك ريب ولا شك، ثم يقول: لكني -والله- ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، والله ما أدري ما أعتقد، نسأل الله العافية، أقسم أيماناً ثلاثة على أنه لا يدري ما يعتقد بسبب الكلام الذي خاض فيه، وقال: إن هذا هو الحق اللازم الذي لابد منه إلى آخره، مع أنه كان قد سب السلف ولمزهم واتهمهم بالتجسيم والتشبيه والحشوية إلى آخره، وأخيراً يرجع إلى هذه الحال التي لا هو رجع فيها إلى القول الذي كان يستهدي به ووفق إليه، ولا هو وجد اليقين الذي كان يسعى إليه، نسأل الله السلامة.