للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستدلال بقياس الأولى في إثبات كل كمال لله ونفي كل نقص عنه سبحانه]

قال رحمه الله تعالى: [ومما يوضح هذا: أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده].

قياس التمثيل هو إلحاق الشيء بنظائره التي هي مثله تماماً، وقياس الشمول هو إدخال الشيء الواحد في حكم عام تدخل فيه أشياء أخرى مشتركة، كالحيوانية بين البهائم والإنسان.

قال رحمه الله تعالى: [فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فلا يجوز أن يمثل بغيره، ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها، ولهذا لما سلكت طوائف من المتفلسفة والمتكلمة مثل هذه الأقيسة في المطالب الإلهية لم يصلوا بها إلى اليقين، بل تناقضت أدلتهم، وغلب عليهم بعد التناهي الحيرة والاضطراب؛ لما يرونه من فساد أدلتهم أو تكافؤها، ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى، سواء كان تمثيلاً أو شمولاً، كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} [النحل:٦٠]، مثل أن يعلم أن كل كمال ثبت للمكن أو للمحدث، ولا نقص فيه بوجه من الوجوه -وهو ما كان كمالاً للوجود غير مستلزم للعدم بوجه- فالواجب القديم أولى به].

الأولى أن يقال: فالله سبحانه وتعالى أولى به.

يعني: أنَّ كل كمال تقرر الفطر السليمة والعقول السليمة أنه كمال؛ فالله أولى به، لكن هذا يندرج تحت ألفاظ كتاب الله وألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا مما ينبغي أن يعلم؛ لئلا يأتينا جاهل ويقول: أنا أثبت كمالات لله تعالى لم ترد في الكتاب والسنة، فنقول له: لا.

فكل كمال تعترف العقول السليمة والفطر المستقيمة بأنه كمال مما اشتملت عليه ألفاظ القرآن وألفاظ الرسول صلى الله عليه وسلم المتعلقة بالله تعالى؛ فالله أولى به.

قال رحمه الله تعالى: [وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه ثبت نوعه للمخلوق المربوب المدبر؛ فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره، فهو أحق به منه، وأن كل نقص وعيب في نفسه -وهو ما تضمن سلب هذا الكمال- إذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات؛ فإنه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الأولى].