[الدلائل القطعية على ثبوت رؤية الله في الجنة]
قال رحمه الله تعالى: [يشير الشيخ رحمه الله إلى الرد على المعتزلة ومن يقول بقولهم في نفي الرؤية، وعلى من يشبه الله بشيء من مخلوقاته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر)، الحديث، أدخل كاف التشبيه على (ما) المصدرية الموصولة بـ (ترون) التي تنحل إلى المصدر الذي هو الرؤية، فيكون التشبيه في الرؤية لا في المرئي].
أي أن المعنى: رؤيتكم لله عز وجل يوم القيامة، نسأل الله أن يمتعنا جميعاً بذلك، يقول: رؤيتكم لله عز وجل في الجنة يوم القيامة كرؤيتكم -من حيث الوضوح- للشمس في رابعة النهار، وللقمر ليلة البدر ليس دونهما سحاب، إذاً: (ما) المصدرية ترجع إلى الرؤية، فقوله: (كما ترون) يعني: كرؤيتكم.
قال رحمه الله تعالى: [وهذا بين واضح في أن المراد إثبات الرؤية وتحقيقها ودفع الاحتمالات عنها، وماذا بعد هذا البيان وهذا الإيضاح؟!].
نصوص الرؤية -كما ذكرت من قبل- واضحة، واحتمالات التأويل -كما ذكر الشيخ- غير واردة، وأشير إلى شيء من نماذج استحالة احتمال التأويل.
فمثلاً: الذين أنكروا الرؤية بعضهم صرفوا الإنكار إلى كلمة: (ترون)، فقالوا: يمكن أن تكون الرؤية بالقلب؛ لأن الإنسان يرى في المنام رؤيا فيقول: رأيت، ويرى رأياً من الآراء فيقول: رأيت أن الأمر كذا.
يعني: هذا رأيي، إذاً: الرؤية قلبية.
وفعلاً لبسوا على الناس بذلك، لكن ترد عليهم نصوص أخرى، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عياناً) فهل العيان منام؟! وهل العيان بالقلب؟! وكلمة (عيان) محكمة ثابتة بالنصوص القطعية، هذا شيء.
الشيء الآخر: أن الله عز وجل ذكر في القرآن -والقرآن مفسر للسنة، والسنة مفسرة للقرآن- ذكر الرؤية بالنظر، إذاً: النظر غير الرؤية من حيث كثرة المدلولات اللغوية وتفريعها، فـ (نظر إلى) تعني: بالعين الباصرة، وكذلك كلمة (رأى) تعني: نظر، فلو قدر أن يؤولوا كلمة (ترون) و (رأيت) ونحو ذلك، فإنهم يرد عليهم بقول الله عز وجل: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٢ - ٢٣]، فلا يستطيع من يقول: (رأيت في المنام) أن يقول: (نظرت في المنام)؛ لأن هذه تختلف.
إذاً: نصوص الرؤية وردت متواترة، كما أن الصحابة سألوا سؤالاً بيناً واضحاً، حينما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور تتعلق بالله عز وجل وعظمته وجلاله من أمور يوم القيامة، فقالوا: (يا رسول الله! هل نرى ربنا؟) ولو كانت مسألة حلم أو رؤيا منامية أو كان المقصود أنهم يرون ربهم بقلوبهم، لما كان لهذا السؤال فائدة؛ لأن مسألة رؤية القلب أمر لا يعد رؤية حقيقية.
فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بـ (نعم)، ومثل لهم بهذا المثل الواضح، وهذا التمثيل برؤية الشمس والقمر ينطبق على رؤية العيون الباصرة لا رؤية القلب؛ لأن القلب ليس لرؤيته للأمور مزية لا في الليل ولا في النهار، بل القلب لا يرى رؤية حقيقية، فالقلب رؤياه إما منامية وإما من باب المعاني التي لا تقبل الحس ولا التفسير بالحس.