[وجوه ترجيح القول بأن الكبيرة ما وجب فيه حد أو ورد فيه وعيد]
قال رحمه الله تعالى: [وهذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره؛ فإنه يدخل فيه كل ما ثبت بالنص أنه كبيرة: كالشرك، والقتل، والزنا، والسحر، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، ونحو ذلك؛ كالفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وشهادة الزور، وأمثال ذلك.
وترجيح هذا القول من وجوه: أحدها: أنه هو المأثور عن السلف كـ ابن عباس وابن عيينة وابن حنبل وغيرهم.
الثاني: أن الله تعالى قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[النساء:٣١]، فلا يستحق هذا الوعد الكريم من أوعد بغضب الله ولعنته وناره، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة عنه باجتناب الكبائر.
الثالث: أن هذا الضابط مرجعه إلى ما ذكره الله ورسوله من الذنوب؛ فهو حد متلقى من خطاب الشارع.
الرابع: أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر، بخلاف تلك الأقوال.
فإن من قال: سبعة، أو سبعة عشر، أو إلى السبعين أقرب مجرد دعوى، ومن قال: ما اتفقت الشرائع على تحريمه دون ما اختلفت فيه يقتضي أن شرب الخمر، والفرار من الزحف، والتزوج ببعض المحارم، والمحرم بالرضاعة والصهرية.
ونحو ذلك ليس من الكبائر! وأن الحبة من مال اليتيم، والسرقة لها، والكذبة الواحدة الخفيفة ونحو ذلك من الكبائر! وهذا فاسد.
ومن قال: ما سد باب المعرفة بالله، أو ذهاب الأموال والأبدان يقتضي أن شرب الخمر، وأكل الخنزير والميتة والدم، وقذف المحصنات ليس من الكبائر! وهذا فاسد.
ومن قال: إنها سميت كبائر بالنسبة إلى ما دونها، أو: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر! وهذا فاسد؛ لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر.
ومن قال: إنها لا تعلم أصلاً، أو: إنها مبهمة؛ فإنما أخبر عن نفسه أنه لا يعلمها، فلا يمنع أن يكون قد علمها غيره، والله أعلم].