للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفساد الحاصل من جهة العباد الجهلة]

والصنف الثالث: الرهبان، والمقصود بهم العباد الجهلة، وإنما عبر بالرهبان؛ لأن أفسد العباد الذين ظهروا في الأمم هم عباد النصارى، فقد أفسدوا الدين والدنيا، كما أنه عبر عن الفرقة الثانية بالأحبار؛ لأن أحبار اليهود هم أفسد من ينتسب للعلم من أتباع الأنبياء.

فالرهبان المقصود بهم العباد المتنسكة الذين يعبدون الله على غير هدى، يعبدونه بشرائع وضعوها لأنفسهم وتعبدوا بما لم يتعبدهم الله به، بترك أشياء لم يأمر الله بتركها، أو بفعل أشياء لم يأمر الله بفعلها، فلذلك تركوا ما لا يستقيم بدونه دين الناس ولا دنياهم، سواء رهبان النصارى وغيرهم من رهبان الهندوس والمجوس وغيرهم، وكذلك عباد هذه الأمة الأوائل الذين انبثق منهم المتصوفة، فإن هؤلاء وضعوا لأنفسهم من العبادات ما لم يشرعه الله من الصيام والصلاة والأذكار وغيرها، ثم إنهم أيضاً تركوا ما شرع الله فحرموا على أنفسهم وعلى غيرهم الحلال، بل تركوا ما لا تستقيم الحياة إلا به، وأعرضوا عن العلم الشرعي، بل عن العلوم كلها، وتعبدوا الله بالجهل، وظنوا أن هذا هو الصراط المستقيم، فبذلك ضلوا وأضلوا، فتعبدوا الله بترك الزواج مثلاً، وهذا مما تفسد به الحياة، ولو أن الناس كلهم تركوا الزواج لانقطعت الحياة، وتركوا مخالطة الناس بدعوى الانفراد لعبادة الله عز وجل؛ مع أن مخالطة الناس وجهادهم ودعوتهم إلى الله عز وجل والصبر على الأذى في هذه الدعوة هو الحق الذي أراده الله، فاعتزلوا الناس بدعوى أن ذلك للعبادة، فكان في اعتزالهم شر عليهم وعلى الأمة، فتركوا الجهاد وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتركوا تعليم الناس والتعلم من الناس، وغير ذلك من الأمور التي أدخلها الرهبان والتي أوجدتها الطرق الصوفية التي هيمنت اليوم على أكثر الأمة الإسلامية وأوقعتها في الذل والهوان والانتكاس والجهل والبدع والخرافات، والمتصوفة قرينة الرافضة، تجتمعان على أصول كثيرة من الجهل والحمق والتعبد بغير ما شرعه الله وترك ما شرعه الله وغير ذلك مما هو معروف.

إذاً: هذه الأصناف الثلاثة تشمل جميع فرق الأهواء، وهي الأسباب الرئيسة الأولى في انحراف الأمم عموماً وانحراف هذه الأمة على وجه الخصوص، سياسات جائرة من السلاطين، ثم أحبار السوء الذين يزينون الشر للسلاطين وللناس ويصدون عن الخير باسم الشرع، ثم المتعبدة الرهبان الذين لبسوا على عوام المسلمين وعلى كثير من أبنائهم بما يظهرونه من زهد وتورع، وهو زهد كاذب وتورع كاذب.