[اعتقاد أهل السنة في الحج والجهاد مع ولاة الأمر من المسلمين]
قال رحمه الله تعالى: [قوله: (والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولا ينقضهما)].
قبل أن نبدأ بالشرح نشير إلى وجه الجمع بين الحج والجهاد في هذه الجملة، وهو أن الحج من أركان الإسلام، والجهاد أيضاً من أصول الدين، ونظراً لأن الحج والجهاد من الأعمال الجماعية الكبرى، فالحج من الأعمال التي تتعلق بعموم المسلمين، فلا يتأتى للمسلمين أن يختلفوا فيه؛ لأن اختلافهم يؤثر في أداء الشعائر، ولذلك يجب على الناس أن يلتزموا نهجاً واحداً في أداء الحج على ضوء ما يجتهد فيه الذي يتولى الحج في ذلك الوقت، وفي أداء المشاعر في أوقاتها؛ لأن المشاعر مربوطة بمكان وزمان، فلا يتأتى للناس أن يختلفوا فيها، وإذا اختلفوا فسد حج بعضهم، فلا بد أن يكون الوقوف في عرفة في يوم معين، فمن وقف قبل هذا اليوم أو بعده لا يصح حجه، ثم يتلو ذلك بقية الشعائر الأخرى التي تؤدى في الحج، فلذلك لا بد للمسلمين أن يلتزموا في الحج بقرار الإمرة التي تتولى الحج، سواء كان من يتولى الحج براً أو كان فاجراً عاصياً ظالماً.
وهنا أنبه على مسألة كثيراً ما تثور عند بعض الجهلة، وهي مسألة توقيت يوم عرفة، حيث يدور أحياناً في مجالس الناس عن جهل أن تقدير يوم عرفة مبني على كذا وكذا، وأنه ليس هناك رؤية في هذه السنة، أو أن مجلس القضاء الأعلى لم يقرر دخول ذي الحجة على رؤية، إنما هو اجتهاد أشخاص! فهذا كلام خطير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(الحج يوم يحج الناس)، وما قال هذا إلا لأنه يعلم أن الناس قد تتفاوت أفهامهم، وفي هذه البلاد -والحمد لله- كل ما يتعلق بالمواقيت الشرعية من دخول رمضان وخروجه والحج ونحو ذلك يسير على أساس شرعي سليم بحمد الله، ويعلن من مجلس القضاء الأعلى أو من الديوان الملكي بناء على أمور ترجع إلى أهل العلم، خاصة فيما يتعلق بهذه الأمور الشرعية الخطيرة، فهناك من يتكلم في هذه الأمور بجهل أو بهوى فيضل الناس، وهذا أراه من أعظم الفتنة ومن أعظم الهوى ومن أعظم البدع التي يجب أن يردع من يقع فيها.
وإنما نبهت على هذا؛ لأنه بدأ يكثر عند بعض الجهلة وبعض المتعلمين وبعض أصحاب الغرور والأهواء الكلام بما يشكك الناس في شعائر دينهم، وهذا أمر خطير، ويجب على طلاب العلم أن لا يسمحوا للناس أن يخوضوا في هذه الأمور، فإذا أعلن وقت الحج فإعلانه شرعي ملزم، ولا داعي لهذه الأمور التي تحدث الوساوس، وقد ربط الحج بولاية الحج، فمن تولى إمرة الحج -براً كان أو فاجراً- لا بد من الحج معه، ولا يكون الحج صحيحاً إلا بتوقيته، فمن تأخر يوماً أو تقدم يوماً فحجه غير صحيح؛ لأن الحج يوم يحج الناس.